أَليسَ الصُّبحُ بِقَريبٍ؟
حينما يُعسعس الليل ويَتنفّس النهار، تتجلّى الشمس في رائعة السماء، تظلّلها الطيور والسهام، علّ الدماء تحت الحَجَر والمدر تحكي الحكاية التي وقعت في ظُهر عاشوراء، التي بكتها السماء وتقرحت من أجلها العيون؛ لتفتح مسامع القلوب وتعظّم شعائر الله فتتقوّى القلوب محصنةً بحصن العصمة لترتقي نحو عالم الملكوت،(1) ونتحسّس صبرًا عهدناه في سفينة النجاة التي مَن ركبها نجا ومَن تخلّف عنها غرق؛ ليصيب بصبرهم حظًّا وافرًا كلّ مَن كان على متنها من صغير وكبير، فتستوي نفوسهم على الجوديّ وتنالهم البشرى من الله (عز وجل)، وينالهم غفران الذنوب؛ لمجرّد دمعة تُذرف حزنًا على الحسين (عليه السلام) ولو بمقدار جناح بعوضة، حتّى غدا الندب صباحًا ومساءً في قلب كلّ شيعيّ مأتمًا يُذكر فيه الحسين. ويُسمع منه الصرخات الحسينيّة التي تهذّب النفوس وتحيي القلوب، فتنبت فيه أغصان الشجرة الطيّبة التي أصلها ثابت في كربلاء، وفرعها في السماء تمدّ بظلالها الوارفة: لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (ق: 37)، وتؤتي أكلها كلّ حين وتربّي العالَم التربية الإسلاميّة الحقّة، فمتى ما رأت الأسرة الحسينيّة الحلم والصبر الحسينيّ السجّاديّ والعلويّ تحلّت به، ورأت الوفاء العبّاسيّ والعفاف الزينبيّ اقتدت به، ومتى ما رأت العنفوان قاسميًّا أكبريًّا كلثميًّا امتثلته، ومتى ما رأت الشجاعة الهاشميّة في سكينيّة تقوّت بها، ومتى ما رأت الانتظار حيًّا ماثلًا في السيّدة رقيّة للإمام الحسين (عليه السلام) ورأت الدماء الصاعدة إلى السماء بدون نزول؛ انتظرت السبب المتّصل بين الأرض والسماء(2) انتظارًا لا: .. شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا..(الفتح:11) عنه.. انتظارًا لم نعتد فيه الغَيبة والظُلمة فتنسينا موعدنا: أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍۢ (هود: 81)! فلنتواعد مع كربلاء ونترقّب، فإنّ أفضل العبادات انتظار الفرج الذي يصنع منّا أُناسًا فاعلين نغيّر ما بأنفسنا ونغيّر المجتمع. ....................................... (1) وهو عالم التجرّد من التعلّقات الماديّة والصوريّة والمعنويّة. (2) مثلما ورد في دعاء الندبة.