رياض الزهراء العدد 172 أروقة جامعية
إسلامٌ حُسينِيٌّ
مُحرّم أنموذج إسلاميّ، مرسومة حدوده بكلام الله تعالى الصريح. مُحرّم هو رسالة إلهيّة، رسالة على شكل سفينة نوح (عليه السلام)، كلّ مَن كان عليها قد نجا، وكلّ مَن استكبرت نفسه، وسوّلت له غرورًا، غرق في بحر الضلالة، وجرفه الطوفان إلى النسيان في قعر العذاب، إنّ لمحرّم ثلاثة أحداث على قيد الحياة، لم تمت بعدُ، ولا أظنّها ستُزهق يومًا! أحداث وقعت قبل مئات السنين، ولكنّها لاتزال تشاركنا الأوكسجين، لاتزال تنبض بالحكمة والعِبرة، لاتزال تبهرنا كأنها قد حدثت الآن ولأول مرة، إنّه لشرف عظيم يُتوّج به المرء من قِبل الله (سبحانه وتعالى)، بتزويده المعرفة الكافية لتقدير هذا الشهر حقّ قدره. • الحدث الحيّ الأول: وجودنا اليوم، بوصفنا مخلوقات بصورة عامّة، وليس بوصفنا مخلوقات بشريّة حصرًا! وجود مُنقّى بأنفاس الأنبياء، اختيار إلهيّ وقع علينا بالنجاة مع نوح (عليه السلام). تخيّل عظمة وجودكَ بصفتكَ إنسانًا، وأنتَ مُختار من قِبل الله (عز وجل)، وهل تعتقد هذا الوجود سهو! هل تتقبّل فكرة بأنّ الله جلّ وعلا قد اختاركَ ليعبث بكَ، وأنّكَ مجرّد مخلوق عابر لا تأثير لكَ في الأرض؟! إذاً لماذا أتاح لكَ فرصة البقاء من دون الملايين، أو ربّما المليارات من البشر! هل انتقالكَ مع نوح في السفينة من أرض الغضب إلى أرض الرضا يمرّ بسلام، من دون أن تدفع ثمن التذكرة؟! الحدث الأول يطلّ علينا بصراحته، بأنّ هنالك مهمّة ما، تمثّل غاية الله (سبحانه وتعالى)، في انتظار كلّ مِنّا، وما علينا سوى البحث عنها وإيجادها، وتطبيق غايات الله تعالى قبل فوات الأوان. • الحدث الحيّ الثاني: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَن خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مَّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (يونس:92). هذا الحدث يطيل النظر إلينا نحن البشر بكافّة أنواعنا، بدون أيّ استثناء، يراقبنا بحكمته الثقيلة التي لا يقوى على حملها سوى القلوب المستمدّة قوّتها من الله (سبحانه وتعالى)، القلوب المستوعبة لما يجري ولأيّ غرض يجري، وليست الغافلة التي قد طُمِرت تحت أنقاض الجهل! • الحدث الحيّ الثالث: نعم إنّه هو، الذي يدور في بالكَ، قطف ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الحديقة النبويّة الشريفة، بأيادٍ غير طاهرة، ولم تكن طاهرة من قبل قطّ، استشهاد الإمام (عليه السلام) المُعطّر بأنفاس النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله)، لم يكن صدفةً عابرةً، هذا الاستشهاد اختبار لكافّة المسلمين في بقاع الأرض، لم تكن معركة بين خصمينِ فقط. باستشهاد الحُبّ المحمّديّ، انكشف للناس المنافقون على مرّ العصور، باستشهاد كلمة الحقّ الإسلاميّة، ظهرت معادلة متينة رصينة من الدم النبويّ بأنّ المنتصر في الحرب ليس الذي على قيد الحياة، فكم من الانتصارات قد ماتت وشاخت وبقي الانتصار الحسينيّ شابًا، يافعًا، حليمًا، مُبتسمًا في وجه العالم. بقي مثل الشراع في عرض البحر يرفرف بحماس شديد، يدلّكَ على طريق يقيكَ شرّ جهنّم.