رياض الزهراء العدد 172 ألم الجراح
عَاشوراءُ في سَامَرّاءَ
أيا وجعي عليكِ يا أبلغ الآيات.. سامرّاء، يا ملاذ المهمومين.. حيث تقف قلوبنا بجوار سوركِ لتطمئنّ.. نقف اليوم على أعتابكِ بالبكاء ونحن نرى كيف أجرمت الكراهيّة في حقّ الطهارة.. وكيف الحقد الذي تواطأ معها في الخطايا. والذي ما تزال ناره تلتهب إلى الآن.. أعلنها حلفًا مع أحزاب الشيطان يدور في دوّامة الحسد.. ويتباهون بأنّهم يعبثون بضوء النهار في سراديب مجهولة يمتصّون ما تبقّى من دماء محرّمة.. وأنّهم ما عادوا يستحون من شعائر الله (سبحانه وتعالى) ليعظّموها.. لتحكي لنا قبّتكِ المنكوبة حزنًا آخر في شهر العزاء، تحكي عن حروب الدين التي فاضت بالفتن.. فبعد مصيبة الإمام الحسين (عليه السلام) في عاشوراء.. تاركًا ضفائر الحسرة حول الأعناق.. لتعود لوعة الضياع مع حطام القبّة الطاهرة.. فاختنقت الليالي والساعات فينا ولَم تبقَ لنا في قواميس الندم أشدّ من كلمة: ..يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ.. (الزمر: 56) وآمالنا تنزف وجعًا من ألم الغفلة، وترتعش الأصابع ليتسرّب من بينها ذاك الأمل بالإصلاح.. مدينة الحبيب! تاريخكِ مثقل بالآهات، وأيامكِ لا تُحصى، عذاباتكِ انطفأ فيها البريق. فبريق الفرح ضاع في الغرف المظلمة، وبين حيل الجدران، فتمزّق ما كان عمرًا وتاريخًا تكتبين، والصرخات منكِ لا يُسمع صداها من وراء الدخان، واختناقات صدى صوتكِ بحنجرتي أبتلِعُ من آهاتها حسرات بحجم الأيام.. فلم يعد لنا أحلام أخرى سوى أن نرى سامرّاء بعافية، وأن تجود بالرضا على زائريها. وتضمّ في ضريحها المقدّس صغار العصافير، فتغفو بأمان تحت قبّتها؛ لتعود تجاعيد دهاليزها تؤرّخ فرحةً موعودةً تُجمّل العاشقين، وتتكحّل الرموش ببسمة العيون، ويُسقى المُحَيّا برؤية الماء المعين. سِلْ السيف يا بن الأكرمين، ولا تخشَ فنحن بانتظار حضوركَ المقدّس الأنيق وجذبكَ الرقيق إلى الحقّ، وعندها سيحلو التلاقي بلهفة نسيم عطركَ الذي سيدقّ النوافذ ليعلن الفرج الأكبر.