مَا هُوَ رَقمُك؟

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 312

ساعات متشابكة مليئة بالأعمال والجهد، لا يكاد المرء أن يجد المتنفّس بينها، بل إنّه يشعر بأنّ مجموع الوقت متلاصق جدًا بحيث يشكّل غيمة من الأفكار الرمادية التي تغيّر رؤيته لكلّ جوانب الحياة، وفي هذا الجوّ المشحون، تتزاحم الأسماء والوجوه والابتسامات، والكلّ يسعى إلى نيل رضاكَ والتقرّب منكَ أكثر وأكثر، فتكون أنتَ الرقم (واحد) بالنسبة إليهم، وقد يخالجكَ شعور بالسعادة الوهمية لهذا التزاحم في الاتصالات والسؤال عنكَ لنيل رضاكَ، ومن ثَمّ الدنوّ منكَ ولو قيد أنملة. وبلمحة بصر، وما إن يقلّ عطاؤكَ ولو النزر القليل، وتجد تلك الغشاوة الرمادية التي تحجب الرؤية الحقيقية تتلاشى رويدًا رويدًا، وتبتعد كلّ تلك الوجوه التي حجبت نور الشمس الجميل وقيّدت تلك الحياة المليئة بالخيرات والعطاء، ويتبادر إلى الذهن الآن قوله (سبحانه وتعالى): (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَ يَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ) (هود: 44)، هنا يختفي كلّ شيء ولا يبقى إلّا القلّة القليلة جدًا من الخُلّص فقط، الذين يقدّرونكَ لشخصكَ ولأنّكَ أنتَ، ويتعاملون فيما يرضي الله (سبحانه وتعالى)، وليس لما تُقدّم أو توفّر لهم. وفي خضمّ حالة الإزاحة تلك، لا تدري هل من الصحيح أن تنتابكَ مشاعر السعادة على سقوط الأقنعة المزيّفة، وظهور الوجوه الحقيقية، أم تكون مشاعر الحزن هي السائدة على ما مضى من ساعات بُدّدت في غير محلّها؟ من الطبيعي أن تراودنا تلك المشاعر، ولكن من غير الطبيعي هو أن تتلبّسنا تلك المشاعر وتخيّم على أركان حياتنا، ومن ثَمّ تُسيّرنا حسبما تريد، فنكون رهن إشارة الأفكار السوداء التي تجعل الإنسان يبتعد عن الآخرين ويتهاون في تقديم المساعدة، وإن قدّمها فستكون بداعي الرياء والشهرة أمام عدسات الكاميرات فقط، ويتناسى السجّل الأساسي الذي يتسابق على تسجيل النقاط فيه جميع البشر، وهو من النوع المخفي عن الأعين، مثلما قال تعالى: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) (البقرة: 271)، والغاية الرئيسة من التواصل في المجتمع هي إيجاد التكافل الاجتماعي قربةً لوجه الله (سبحانه وتعالى)؛ لنيل رضاه وقبول الأعمال. نعود لنسأل: ما رقمكَ؟ هل أنتَ الأول أم الثاني، أو ربّما قبل الأخير؟ يتحدّد هذا الرقم بحسب مصلحة الآخر لديكَ، لذلك هو رقم متغيّر دائمًا ولا يجب الاعتماد عليه أبدًا، فتخيّل معي ساعات الموت والتي تليها، تكون أنتَ الرقم (واحد) في ترتيب مستحقّي موجات الدعاء من الجميع، وبعد أن ترجع الروح إلى بارئها، سيكون الجميع في حالة من الصدمة، وتكون أنتَ أيضًا متصدّرًا لكلّ كلمات الترحّم والدعاء، وما إن تبدأ الخطوات بالابتعاد عن القبر، حتى يبدأ التسلسل الرقمي بالتغيّر تدريجيًا، حتى لا تكاد تُذكر بالأرقام وصولًا إلى ذكركَ عن طريق الصدفة فقط. ابحث عن رقمكَ لدى نفسكَ؛ لتقوم بيديكَ بتوقيع أعمالكَ التي هي ما ستبقى معكَ فقط، ولن تغادركَ أبدًا لتكون في السجّل الأبدي الأمين الرقم (واحد) في فعل الخيرات والبرّ والإحسان قدر الإمكان.