(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ)

منى إبراهيم الشيخ/ البحرين
عدد المشاهدات : 212

عندما يأخذ الإنسان بأسباب الطمأنينة من الإيمان وذكر الله والتضّرع إليه والارتباط بدينه وبرسوله، فإنّ الطمأنينة تتحقّق، وتبعًا لذلك تتحقّق آثارها في الدنيا والآخرة، وهذا ما تمّت الإشارة إليه سابقًا، وأمّا ما هذه الآثار، وكيف يحصل المؤمن على الطمأنينة عن طريقها؟ فهذا ما سيتمّ تناوله في هذه الحوارية: ناهد: ماذا يحقّق المؤمن بطمأنينته في الدنيا والآخرة؟ فاطمة: في الدنيا الطمأنينة قوة تنصر الإنسان على المكاره، وهي راحة وأمان، ونشاط وشعلة، وهي قرب من الله وارتباط به، والطمأنينة في الدنيا إعمار ورزق وعيش رغيد، وهناك في يوم القيامة يتجلّى مقام المطمئن عند الله، وسيجد حلاوة اطمئنانه في الدنيا. ناهد: عن طريق حديثنا مررنا على الكثير من الآيات والأحاديث والروايات التي بيّنت آثار الطمأنينة في الدنيا، التي كان لها الأثر في طمأنة نفسي وهدوئها، فما الآية المتعلّقة بالآخرة؟ فاطمة: قوله تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ  ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً  فَادْخُلِي فِي عِبَادِي  وَادْخُلِي جَنَّتِي) (الفجر: 27-30). في يوم القيامة خطاب بكلّ لطف، وما أروع النداء الإلهي والنداء للإنسان بوصف نفسه: (النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ)، هذا الوصف يختصر مسيرة هذه النفس، ويجمع الصفات الكاملة، هذا الوصف يعني بلوغ الهدف والمقام العالي. فالنفس المطمئنّة بإيمانها بوعد ربّها لم تكن في قلق وتردّد وشكّ ممّا وعد الله، ووعدت رسله من نعيم وجنّة وخلود. ناهد: ما معنى قوله سبحانه: (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً)؟ فاطمة: المعنى أنّ الكلّ سيرجع ويعود إلى الله: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة: 156)، ويختلف رجوع عن رجوع، فهذا الرجوع فيه تكريم، رجوع إلى بارئكِ الرحيم، رجوع بمنتهى الرضا، ورضاها يوم القيامة؛ لأنّها كانت راضية في حياتها، راضية بما قسم الله لها، لم تعترض، لم يتسلّل إليها الكفر والشكّ في عدل الله. كانت راضية بأحكامه وتشريعاته، كانت راضية بنصيبها في الدنيا، فقد تكون الأفقر مالًا، ومع ذلك فهي راضية، وقد تكون الأضعف صحّة وبدنًا، ومع ذلك تكون راضية، كانت مطمئنّة وموقنة؛ ولذا كانت راضية يوم القيامة، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "الرِّضا بمَكروهِ القَضاءِ مِن أعلى دَرَجاتِ اليَقينِ" (1)، وكان عيشها هَنِئًا في الدنيا، فعنه (عليه السلام) أنّه قال: "إنّ أهنَأ الناسِ عَيشًا مَن كانَ بما قَسَمَ اللَّهُ لَهُ راضِياً" (2). ناهد: هناك وصف آخر ذكره القرآن، وهو "المرضيّة"، فأيّ مقام هذا؟ فاطمة: أي وصلت إلى مقام يكون الله راضيًا عنها: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ) (المائدة: 119)، (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة: 72). نعمة الرضا الإلهي على عبده تفوق كلّ النعم، وقد أردفها سبحانه بنعمة أكبر، فقال: (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي)، فمَن كان في الدنيا عبدًا لله استحقّ في الآخرة أن يكون في زمرة عباده: (وَادْخُلِي جَنَّتِي)، والجنّة أضيفت إلى ياء المتكلّم وهو(الله) للتشريف، ولم تُضف الجنّة إلى ذاته جلّ جلاله إلّا في هذه الآية، فهذا مقام النفس المطمئنّة يوم القيامة. ناهد: "اللّهُمَّ اجعَلْ نَفْسي مُطمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ، راضِيَةً بِقَضائِكَ، مُولَعَةً بِذِكرِكَ وَدُعائِكَ" (3). ................................................... (1) ميزان الحكمة: ج4، ص474. (2) المصدر السابق. (3) بحار الأنوار: ج99، ص185.