مُشاهداتٌ_نعمة الحنان والرحمة

وسن نوري الربيعي
عدد المشاهدات : 256

حينما كنّا صغاراً ضعفاء لا نكاد نفارقهما، ونجهش بالبكاء إن غابا عنّا، ونرى سعادة الدنيا في نظرات الرضا من عينيهما، وتلبس الحياة ثوب سواد موحش لو أعرضا عنّا. ولا نُطيق عنهما ابتعاداً، ولا نحتمل منهما فراقاً ولكن كلّما قويت أجسامنا بدأنا بالابتعاد عنهما فنحاول جاهدين الهروب من دفء نظراتهما وخلوص نصائحهما التي لم تأتِ إلا عن خبرة وتجربة سنوات عمرهما وهذه آهة ندم واحدة منّا. فبعد أن تزوجت ورُزقت بأولاد عرفتُ مقدار ما يقدّمه هذان الشخصان العظيمان. على الرغم من كلّ هذا ظلّت الغفلة مسيطرة عليّ فتساهلت في مداراتهما وتحسّس مشاعرهما الأبوية الرقيقة. حتى فاجأتنا الأيام بفقد ذلك الحنان والرحمة اللذان لن نجد عوضاً عنها، ورحل ذلك الصوت الحاني الذي طالما لهج بالدعاء والتضرع إلينا حتى نكون بأفضل حال، فبكينا بكاءً ملؤه الحسرة والندامة على تفريطنا في هذه النعمة وأدركنا أننا أسأنا لأنفسنا قبل أن نسيء إليهما. فلا تأخذنا الحياة بمشاغلها وهمومها وننسى أن هناك أشخاصاً كثيراً ما أغدقوا علينا من حبّهم وعطفهم وبذلوا كلّ ما يملكون من أجل إسعادنا وصرفوا عمرهم لأجل تنشئتنا تنشئة طيبة، ولا نسمح بأن نكون السبب في جرح مشاعر أب كريم أو انسكاب دمعة أُمّ غالية. وأن نذكر قوله تعالى في محكم التنزيل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)/ (الإسراء:23). وفي آية أخرى قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)/ (النساء:36). وعن الإمام الرضا (عليه السلام) في خبر طويل: “إن الله (عز وجل) أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة أخرى: أمر بالصلاة والزكاة، فمَن صلّى ولم يزكِ لم تقبل منه صلاته، وأمر بالشكر له وللوالدين، فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله، وأمر باتقاء الله وصلة الرحم، فمَن لم يصل رحمه لم يتقِ الله (عز وجل)”.(1) ........................... (1) الخصال: ج1، ص162.