رياض الزهراء العدد 175 لحياة أفضل
تَكلِيفُ الآبَاءِ باحتِضَانِ الأَبنَاءِ
لقد أناط الله تعالى بكلّ أب وأمّ مَهمّة عظيمة، اعتنى بها الدين الإسلامي وحضّ عليها وصبّ جلّ اهتمامه بها، ألا وهي تربية الأبناء، وهذا ليس خيارًا إمّا أن يفعله أو لا، بل هذا تكليف وواجب مثلما ذُكر في حديث شريف ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): "جلوس المرء عند عياله أحبّ إلى الله تعالى من اعتكافٍ في مسجدي هذا" (1)، ففي هذا الحديث الشريف نرى مدى أهمّية المسؤولية التي يجب أن يتحلّى بها الآباء تجاه الأبناء. وممّا لا شكّ فيه أنّ المجتمع لا يخلو من وجود أُسر لا تعير أهمّية كبيرة للجانب التربوي الروحي والمعنوي لدى الأبناء، فنرى الكثير منهم ينجرّ إلى طرق وعرة ذات مهالك خطرة، وفيها مشقّة بالغة على الآباء أنفسهم قبل الأبناء، فهناك مَن يعطي ابنه الهاتف الذكي وهو لم يبلغ بعدُ، ومنهم مَن يتركه يخوض ويلعب في الطرقات والشوارع مع مَن هبّ ودبّ ولا يعلم عنه شيئًا، وكم من حوادث وقعت تؤجّج العائلة جميعها بسبب إهمال أب وتكاسل أمّ؛ ذلك لأنّهم لا يحسنون صنعًا مع أبنائهم، فنرى المجتمع تسوده نماذج بعيدة تمام البعد عن الدين والأخلاق، وهذا يتنافى والقيم الإسلامية، ففي رواية عن محمّد العطّار، عن جعفر الفزاري، عن جعفر بن سهل، عن سعيد بن محمّد، عن مسعدة، عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) أنّه قال: "إنّ عيال الرجل أسراؤه، فمَن أنعم الله عليه نعمة فليوسّع على أسرائه، فإن لم يفعل أوشك أن تزول النعمة" (2)، فالذي يولي اهتمامًا للتربية المعنوية، والذي يتّخذ من الرسول (صلّى الله عليه وآله) قدوة له في التربية الحسنة ومجالسة العيال، والذي يضع نصب عينيه: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) (الصافّات: 24)، فستكون تربية أبنائه سليمة، تخرّج لنا أبناءً صالحين يكونون قياديين في الأمة ونماذج صالحة. وينبغي مراعاة الدور الأساسي الذي هو بمثابة نقطة جوهرية مركزية، ألا وهو الاحتضان العاطفي من قِبل الأب والأمّ، فالابن مهما بلغ من العمر يبقى بحاجة إلى اهتمام ونظرة شفقة من قِبل الوالدين، وهذا الاحتواء يُغني الأبناء عن الولوج في علاقات عابرة هابطة لا تغني ولا تسمن من جوع، بل هي وبال على العائلة بأكملها، فمَن كان يريد أن يقي نفسه وأهله من هذا الوبال، فعليه بحسن التربية والعشرة؛ كي يكون مصداقًا للآية المباركة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ) (التحريم: 6). ومن أكبر النعم على الإنسان الاستقرار النفسي والاطمئنان القلبي، فكم من أب سُلبت راحته بسبب طيش ابن، وكم من أمّ ذرفت الدمع بسبب عدم احترام بنت، هم ليسوا كذلك منذ البدء، هم حصيلة عدم احتواء كافٍ، ممّا جعلهم يكونون عدوانيين تجاه آبائهم، فتحصيل ذلك الاستقرار والاطمئنان يكون عن طريق بذل الجهد في التربية الصالحة التي حثّنا عليها الدين الإسلامي الحنيف، وكلّ جهد يُبذل لابدّ من أن يكون مثمرًا بطريقة أو بأخرى، ليكون الأب أو الأمّ خير قدوة لأهله. ................................. (1) ميزان الحكمة: ج٢، ص١١٨٦. (2) بحار الأنوار: ج١٠١، ص٦٩.