تُرى هَل نُحِبُّهُ؟!

زينب عبد الله العارضيّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 178

عندما نتأمل في الآيات والروايات الشريفة، نجد أنّها مليئة بذكر حبّ الله تعالى ووصف أهله؛ وما ذلك إلّا لكون المحبّة شأنًا قلبيًا، ومن السهل ادّعاؤها؛ لأنّها أمر خفي، ومن هنا وجب على المرء ألّا يغترّ بنفسه وتلبيس إبليسه، ولا يتوهّم بأنّه من أهل الحبّ الإلهي ما لم يمتحن نفسه بالعلامات، ويطالبها بالبراهين التي تثبت صدقه بشكل جلي. فالمحبّة لله تعالى أشبه بشجرة بهية ذات جذور قوية، وأغصان متدلية بثمار زكية، فنحن وإن كنّا لا نرى جذرها، لكنّنا بلا شكّ نرى الدالّ عليه وهو ثمرها، وهكذا هو حبّ المولى سبحانه، شعور داخلي محلّه القلب، لكن آثاره تدلّ على وجوده، وتبرهن على صدق المرء في حبّه وإيمانه، وهنا يأتي السؤال: تُرى ما هذه العلامات؟ وكيف نبرهن عن طريقها على حبّنا لربّ الكائنات؟ فنقول: هي كثيرة حفلت بها الآيات والروايات الشريفة، ومن أبرزها: 1. تقديم حبّه تعالى: فمَن عمر قلبه بحبّه سبحانه، لن يُقَدّم عليه أيّ أحد مهما كان قربه ومكانه، يقول تعالى في التحذير من هذا الأمر وبيانه: (قُل إِن كَانَ آَبَاؤُكُم وَأَبنَاؤُكُم وَإِخوَانُكُم وَأَزوَاجُكُم وَعَشِيرَتُكُم وَأَموَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخشَونَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرضَونَهَا أَحَبَّ إِلَيكُم مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمرِهِ..) (التوبة: 24)، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "لا يمحض رجل الإيمان بالله حتى يكون الله أحبّ إليه من نفسه وأبيه وأمّه وولده وأهلـه ومن الناس كلّهـم" (1). 2. الطاعة: فمن يدّعي المحبّة له عليه أن يثبت ذلك عن طريق طاعته واتّباع ما جاء به نبيّه، يقول (عزّ وجلّ) في كتابه الكريم: (قُل إِن كُنتُم تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ اللَّهُ.. ) (آل عمران: 31). 3. الذكر الدائم: فالمحبّ الصادق في حبّه لا يفتر عن ذكر محبوبه، يرافقه في خلواته، ويستأنس بذكره في كلّ حالاته، يقول الإمام عليّ (عليه السّلام) : "مَن أحَبَّ شَيئاً لَهِجَ بِذِكرِهِ" (2). 4. حبّ عباده الصالحين: فعندما يصف المولى مَن يحبّه في كتابه يقول: (يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِين) (المائدة: 54)، وعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "إذا أردتَ أن تعلم أنّ فيكَ خيرًا فانظر إلى قلبكَ، فإن كان يحبّ أهلَ طاعة الله عزّ وجلّ، ويبغض أهل معصيته، ففيكَ خيرٌ، والله يحبّكَ" (3). 5. حبّ لقائه: فالموت بالنسبة إلى المحبّين الصادقين قنطرة يعبرون عن طريقها إلى عالم القرب والأنس بربّ العالمين، فيحبّونه لأنّه يعجّل لهم الوصال بمحبوبهم، وإلى هذا يشير الإمام الحسين (عليه السلام) بقوله: "صبرًا بني الكرام، فما الموت إلّا قنطرة يعبر بكم عن البؤس والضراء إلى الجنان الواسطة والنعيم الدائمة، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر، وما هو لأعدائكم إلّا كمَن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب" (4)، فمَن أحبّه رغب في سرعة اللحاق به، وأخذه الشوق إلى محضره، وإن أراد البقاء في دنياه إنّما ليتزود ويتهيّأ للقائه؛ ليكون لائقًا للتشرّف بالمثول بين يديه، ونيل الحظوة لديه. ......................................... (1) ميزان الحكمة: ج2، ص144. (2) المصدر السابق: ج2، ص143. (3) المصدر السابق: ج21، ص4. (4) بحار الأنوار: ج6، ص154.