رياض الزهراء العدد 175 لحياة أفضل
نَبتَعِدُ قَلِيلًا... لِنَقترِبَ أَكثَرَ
هل جرّبنا الابتعاد عن الخوض في المشاكل لنقترب من الحلول؟! هل جرّبنا التزام الصمت لتتحدّث الحلول؟! بل هل جرّبنا السير في طريق آخر أفضل من الوقوف على عتبة المشكلة؟! لا تخلو الحياة مطلقًا من المشاكل، بل البعض يعدّها (ملح الحياة)! لذا من الذكاء أن يدرس الإنسان كيف يكون قادرًا على إطفاء شعلة الغضب، وسوء الفهم التي هي بداية افتعال حريق الاضطراب وهموم المشكلة، بطبيعة الحال يميل الكثير إلى التهويل وسرعة الحكم اللذينِ يسهمان في توسيع حلقة سوء الفهم، لا سيّما ونحن نعيش في عالم افتراضي من أهمّ مخلّفاته تلكّؤ قدرة الإنسان على التواصل البشري اللإلكتروني ويا للأسف، بحيث بدأت الميزة الأساسية للإنسان وهي التواصل والمحاكاة بالتلاشي في الجيل الجديد شيئًا فشيئًا. وأضحت بعض الأمراض الاجتماعية تسري في جسد البشرية بشكل كبير، من قبيل سوء الظنّ، الذي أخذ يدمّر ويفرّق خلاياه المتلاحمة، قال تعالى( :يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعضُكُم بَعضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُم أَنْ يَأْكُلَ لَحمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) )الحجرات: ١٢). ومن أسباب سوء الظنّ قلّة المعرفة، ثمّ ضعف الإيمان، والمرض النفسي، حيث يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "ظنّ الرجل على قدر عقله" (1)، ولهذا المؤمن الحقيقي لا يتسرّع بالحكم على الآخرين. وأيضًا قلّة الصبر، لاسيّما ونحن في زمن السرعة، ومثلما قيل في التأنّي السلامة، وفي العجلة الندامة. وكذلك الفضول الذي يُقحم الإنسان في خصوصيات الآخرين آملًا في أن يجد ما يعثّرهم، إذن لتكسب الحلول، اجتنب الفضول. لهذا سوء الظنّ يبعّد المرء من المجتمع ليقترب من إطار العزلة، حيث يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "مَن لم يُحسن ظنّه استوحش من كلّ أحد" (2). وحتى نعالج هذه الآفة علينا بتقوية الإيمان وصقل النفس وتقويمها، وحمل أقوال الغير وأفعالهم على الخير، وهذا ما يسمّى بـ(حسن النيّة)، وكذلك الحلم وعدم التسرّع بالحكم على الآخرين، مثلما يقول مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): "حسن الظنّ من أحسن الشِيَم، وأفضل القِسَم" (3)، فنحن أخوة مثلما صرّح القرآن الكريم بذلك، ومن ثمّ يتمّ تحجيم المشاكل وتقليصها. وهذا بدوره يتطلّب الصبر والصمت؛ لأنّ الهدوء سلاح الحلول، فالبحر الهائج يأخذ السفينة ذهابًا وإيابًا من دون فائدة. فالصمت مقدّمة لسماع الذات، وسماع الغير، فالكلّ يتكلّم، لكن القليل مَن يستمع. الصمت خفيف، لكنّه ثقيل في حالة الغضب، لماذا؟ الجواب: أنّى للماء أن يجتمع مع النار؟! وعلى هذا فقِس ما سواه. إذن، ابتعد قليلًا عن مسبّبات المشاكل؛ لتقترب من حلولها.. ......................................... (1) ميزان الحكمة: ج6، ص54. (2) المصدر السابق: ص 59. (3) المصدر السابق: ص55.