ذَائِقَةُ الشَّهَادَةِ


عدد المشاهدات : 197

تتلقّفهم الملائكة بشهيةٍ مفتوحة، دمعةٌ ودم.. رسّامٌ من هنا، شاعرٌ من هناك.. قُرب الساتر الرملي يسقطُ طبيب.. وعند المعسكر يهوي مخرج سينمائي، وعازف موتٍ يلحّن سكرات الألم.. يا للبهجة! إنّها ليلة باذخة الكرم، مُشعّة بالنجم.. تحتار الملائكُ أيّهم تعانق أولًا.. يتسابقون كالأطفال.. يلاقون أباهم الذي عاد توًا بذاك اليقين.. بأنّه قد ابتاع لهم شيئًا من النِعم.. أشلاءٌ متناثرة، دماءٌ نابعة.. طلقاتٌ تتهافت، تجهل ما يُقنص بها.. لا يحرقها الندم.. لو كانت تلك البنادق تعلم، لتجلّدت ذخيرتها، ولنكّست رأسها خجلًا من وقاحتها.. ومن جراحٍ لن تلتئم.. رماة العدوّ مرتعبون، يتملّكهم خوف وعار.. لم يفلح بأسهم بجلب أمانٍ لهم، أو سِلم.. كانت شياطينهم تحارب ملائكة الشهادة.. تحسدها على تلك الحافلة النيّرة.. تكادُ أعينهم تُفقأ من وهج ابتساماتهم.. سألتُ عن الليلة الأولى لشهيد في قعر الأرض.. أهي ليلة في دياجيرِ الظُلم؟ هل أُحيلت روحه إلى العدم؟ قيل لي: هو في أحضان محبوبه.. ربّاه ما هذا الترف! أيُ دلالٍ هذا! ما فعَل ليطيب مرقده.. ويُنقّى من كلّ ذرةِ ألم.. دبّت في عُروقي غيرة.. أريد مثل ذاك الجزاء، رغم شحّة الإحسان.. إلّا أنّني أغار.. أُريدُ نورًا في قاع أرضي.. لا أُطيقُ الظلمة.. أنيسٌ، دفءٌ، وروحٌ تتبسّم، ولتمطر عندي هناك.. مطرٌ من دموع الحزانى.. لأغتسل من كلّ إثم.. لا أريد على شاهدة القبر.. نعيًا أو تاريخًا أو اسمًا، على لوح الآخرة.. لا زمانٌ ولا مكان، لا هُوية.. ولا نسب.. فالولادة هناك، لا تُعادل بشيء.. ولو كان لي لوحٌ.. سيُكتبُ عليه: (مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) (النساء: 1).. جفّت الكلمات، ورُفعَ القلم..