شَرَابُ أَهلِ الجَنَّةِ

د. سحر ناجي المشهديّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 506

الجنّة هبة ربانية لا يمنحها الله (سبحانه وتعالى) إلّا للأولياء والأوصياء والصالحين، ومَن اهتدى بهديهم، فهي جائزة عظيمة لمَن ثابر وتحدّى مغريات الدنيا، جعل الله تعالى فيها كلّ ما تشتهيه الأعين، فطعامها وشرابها وُصفا حدّ الكمال، وكان لألفاظ القرآن الكريم وقع خاصّ في وصفهما، فاتّسمت بجمال فني وذوقي ترنو إليه العقول جاهدة لتفسيره، وقد قدّمنا الشراب على الطعام في مقالنا هذا؛ لأنّ التفكّه والتلذّذ به أظهر وأقوى، ووقوع السرور به أعمّ. فما شراب أهل الجنّة؟ تعدّدت المسمّيات لشراب الجنّة، فنجد القرآن الكريم يختار من الألفاظ أدّقها وأحبّها إلى النفوس، فوصف العيون العذبة والألبان الصافية والعسل المصّفى والخمر الذي لا يسكر. قال تعالى: (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى) (محمّد: 15). أولًا: الأنهار التي توجد في الجنّة تختلف عن أنهار الدنيا، منها: 1- الماء غير الآسن: الآسن: يعني النتن، وبناءً على هذا فإنّ: (مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ) تعني الماء الذي لا يتغيّر طعمه ورائحته لطول بقائه وغير ذلك، وهذا أوّل نهر من أنهار الجنّة، وفيه ماء زلال جار طيّب الطعم والرائحة (1). 2- اللبن: سائل أبيض يكون في إناث الآدميين والحيوان، وهو اسم جنس جمعي(2). 3- الخمر: يدلّ على التغطية، والمخالطة في الستر..، قال الخليل: الخمر معروفة، واختمارها: إدراكها وغليانها، ومخمرها: متخذها، وخمرتها: ما غشي المخمور(3)، وهو قوله تعالى: (يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِّن مَّعِين)، ما أسكر من عصير العنب وغيره: (بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ) (الصافات: 45). 4- الرحيق المختوم: من أَسماء الخمر، يريد به خمر الجنّة، والمختومُ: المَصُونُ الذي لم يُبتذَل لأَجل خِتامه، وقال الزجّاج: هو الشراب الخالص الذي لا غشّ فيه (4). 5- العسل: هو لعاب النحل(5)، والمصفّى: الذي لا يخالطه الشمع والكدر والعكر والقذاء، وجاء بلفظ واحد للتذكير والتأنيث (6)، قال تعالى: (وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) (محمّد: 15)، وسيقت الآية القرآنية في وصف محاسن الجنّة التي أُعدِّت للمتقين، والمتمعّن في الآية الكريمة يجدها تدرّجت بين أنواع الأشربة، فقد جاء في البدء من الأعلى إلى الأدنى، بالماء أولًا، فهو سرّ الحياة ومظهر للنعيم، ثمّ اللبن وهو رأس الأطعمة لكونه شرابًا وغذاءً، ثمّ الخمر والعسل. ثانيًا: العيون: وهي كثيرة، منها: 1. تسنيم: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ  عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ  تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ  يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ  خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ  وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ) (المطففين: 22-27)، والتسنيم هو أشرف شراب في الجنّة، اسم لماء يجري من علوّ إلى أسفل موجود في الطبقات العليا من الجنّة.. وقال آخرون: إنّه نهر يجري في الهواء فينصبّ في أواني أهل الجنّة، أو اسم لعين تنبع في الجنّة تجري تحت العرش سمّيت بذلك؛ لأنّها أرفع شراب في الجنّة (7). 2. السلسبيل: "هو الشراب الهنيء واللذيذ جدًا، الذي ينحدر بسهولة في الحلق، ويرى الكثير أنّه مأخوذ من مادّة (سلاسة) المأخوذة من السيلان، ولهذا يقال للكلام الجذّاب والممتع (سليس)" (8) :(وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا) (الإنسان: 17- 18). ............................................... (1) تفسير الأمثل: ج16، ص357. (2) المعجم الوسيط: ص814. (3) معجم المقاييس: ص311. (4) لسان العرب: ج5، ص168. (5) لسان العرب: ج6، ص208. (6) فتح البيان في مقاصد القرآن: ج6، ص324. (7) الأمثل في تفسير القرآن: ج20، ص38. (8) المصدر نفسه: ج19، صٍ267. (9) تاج العروس: ج14، ص317. (10) تفسير الأمثل: ج19، ص255.