رياض الزهراء العدد 175 منكم وإليكم
التَّوحِيدُ فِي الخُطبَةِ الفَاطِمِيَّةِ
لا شكّ في أنّنا في كلّ مرّة عند الغوص في أعماق البحر اللجي نغنم بما تُسرّ به الروح، وننتفع للدنيا والآخرة. هذا ما نتلمّسه في خطبة سيّدة النساء (عليها السلام)، وهي تصل إلى العقيدة التي تبدأ بالإيمان بالله تعالى وهو التوحيد، وتنتهي بالعودة إلى الحقّ تعالى وهو المعاد، مرورًا بالعدل والنبوّة والإمامة، والزهراء (عليها السلام) أشارت إلى هذه الأصول في خطبتها المباركة.. فقالت (عليها السلام): "أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاصَ تأويلَها".. الشهادة هي أعلى مراحل الإدراك، ووجوده سبحانه ووحدانيته من الوجدانيات والفطريات، وكلمة التوحيد هذه مركّبة من عقد سلب وعقد إيجاب، نفي الباطل والغير أولًا، ثم إثبات الحقّ المحض المطلق.. فإذا وردنا سؤال: هل يجب الاعتقاد بوحدانية الله تعالى وبأحديته أيضًا؟ يكون الجواب: نعم، وجوبًا فطريًا وعقليًا، فمن اللازم أن يعتقد الإنسان بالإله الواحد الفرد الذي لا شريك له، ويعود معناها إلى الإخلاص مثلما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "..وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص نفي الصفات عنه.." (١). وفي حال أراد عبد ما الوصول إلى الله تعالى، فالوصول إلى حقيقة أن لا إله إلّا الله يجعل العبد لا يرى شيئًا في الوجود إلّا الحقّ تعالى. رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: جاء أعرابي إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فقال: يا رسول الله، هل للجنّة من ثمن؟ قال (صلّى الله عليه وآله): نعم. قال الأعرابي: وما ثمنها؟ قال (صلّى الله عليه وآله): "لا إله إلّا الله، يقولها العبد مخلصًا بها". قال الأعرابي: وما إخلاصها؟ قال (صلّى الله عليه وآله): "العمل بما بُعثتُ به وحُبُّ أهل بيتي". قال الأعرابي: وحبّ أهل بيتكَ لمن حقّها؟ قال (صلّى الله عليه وآله): "إنّ حُبّهم لأعظم حقِّها" (٢). وقولها (عليها السلام): "وضمن القلوب موصولها، وأنار في التفكير معقولها". فإنّ التوحيد ووجود الله تعالى ووحدانيته من الفطرة الأولى التي غُرست في أعماق ذات الإنسان، لكن الغبار قد يتراكم ليحجب الرؤية، فكان التذكير مطلوبًا، وعندما تدخل الشهادة إلى القلب تعطي نورًا لفكر الإنسان، فإنّ الموحّد له نور خاصّ كاشف عن الواقع، وجاء في الرواية الشريفة عن .......: "ليس العلم بكثرة التعلّم، إنّما هو نور يقذفه الله في قلب مَن يريد أن يهديه" (3). وقولها (عليها السلام) (معقولها)، أي ما يمكن أن يتعقّله الإنسان من كلمة التوحيد، وقد أعطاها الله تعالى للإنسان ومنحها إيّاه، حيث أنار فكره، ولذلك يستفاد من أهمية القلب والفكر والتأكيد عليهما، بخاصّة في الاعتقادات كالتوحيد. يقول أحد العلماء: إنّ الله تعالى عرَّف نفسه للعوام بمخلوقاته، فعوام الناس يعرفون الصانع والمصنوع، ويعرفون الخالق من خلال المخلوق، أمّا الخواصّ فالله عرَّفهم نفسه من خلال صفاته، فهم عرفوا صفاته، ومن خلال صفاته عرفوه, والحمد لله رب العالمين (4). ............................................ (١) بحار الأنوار: ج4، ص251. (٢) الأمالي للشيخ الطوسي: ص165. (٣) بحار الأنوار: ج٦٧، ص١٤٠.