بِعَينِ اللهِ ذَلكَ العَطَاءُ

فاطمة صاحب العوادي/ بغداد
عدد المشاهدات : 141

العطاء يتجسّد في كثير من القِيم والمفاهيم الإسلامية، وقد حثّ الإسلام على الاهتمام ببرّ الوالدين، فهو من الصفات والأخلاق العظيمة التي أمرنا بها الله (عزّ وجلّ)، وحذّرنا من التهاون بها، ونهانا عن عقوق الوالدين؛ لأنّهما يمثّلان قمّة العطاء الذي هو بعين الله تعالى، فإنّ طاعتهما من طاعة الله (عزّ وجلّ)، فقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: (واخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء: 24). فهذا البرّ والإحسان ما هو إلّا ردّ لما بذلوه طوال عمرهم في سبيل راحة الأبناء وتربيتهم، وهذا البرّ هو قليل من كثير عانوه لتحصيل الرزق وتأمين حياة كريمة ينعم بها الأبناء، ولتنشئتهم نشأة صالحة يكملون بها مسيرة حياتهم؛ لذا سيكون موضوع حديثنا بشأن هذا الخُلُق من الأخلاق السامية التي نتمنّى أن يتّصف بها أبناؤنا الأعزّاء... هكذا ابتدأت أمّ عليّ حديثها. أمّ زهراء: نعم، إنّ هذا الموضوع له أهمّية كبيرة، إذ قرن الله تبارك وتعالى طاعته بطاعة الوالدين، وهذا ما تؤكده الآيات القرآنية، والروايات الواردة عن العترة الطاهرة ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ أمّ جعفر: وأوضح آية هي قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلّا تَعْبُدُواْ إِلّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) (الإسراء: 23). أمّ زينب: وإذا أكملنا الآية الكريمة، فسنجد أنّ الله تعالى حدّد أساليب التعامل مع الوالدين. أمّ حسين: منها أسلوب المحادثة: (فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ)، كلمة أف تدلّ على الضجر، ولقد نهانا تعالى عن مجرّد نطقها أمام الوالدين. أمّ جواد: وفي هذا يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "أَدْنَى الْعُقُوقِ أُفٍّ وَلَوْ عَلِمَ الله عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنْهُ لَنَهَى عَنْهُ" (1)، بل يجب أن نحاورهما بالقول الطيّب. أمّ زهراء: ويعلّمنا الله تعالى حتَّى طريقة الجلوس عند حضورهما، فيقول: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)، وفيها إشارة إلى المبالغة في التواضع، والاحترام للوالدين. أمّ عليّ: مثلما يشير القرآن الكريم إلى مكانة الأبوين، وفضلهما لما يتحمّلان من الجهد والمعاناة في سبيل تربية أولادهما وحمايتهم؛ لذا يوصينا تبارك وتعالى أن نحسن إليهما، وبخاصّة الأمّ: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ) (الأحقاف: 15). أمّ جعفر: والوهن معناه الضعف؛ فالأمّ تتحمّل الآلام، والمشقّة، والأب يجاهد ويكدح من أجل توفير لقمة العيش لأولاده، فلا ينبغي أن يكون جزاؤهما إلَّا العرفان، والمحبّة، والطاعة لهما. أمّ زهراء: ما أجمل ما قاله الإمام السجّاد (عليه السلام) في حقّ الأمّ: " فَحَقُّ أُمِّكَ، فَأَن تَعلَمَ أَنَّهَا حَمَلَتكَ حَيثُ لا يَحمِلُ أَحَدٌ أَحَدًا وَأَطْعَمَتكَ مِن ثَمَرَةِ قَلبها مَا لا يُطْعِمُ أَحَدٌ أَحَدًا، وَأَنَّهَا وَقَتكَ بسَمعِهَا وبَصَرِهَا ويَدِهَا وَرِجلها وَشَعرِهَا وبَشَرِهَا وَجَمِيعِ جَوَارِحِهَا مُستَبشِرَةً بذَلِكَ، فَرِحَةً مُوَابلَةً، مُحتَمِلَةً لِمَا فِيهِ مَكرُوهُها وأَلَمُها وثِقْلها وَغَمُّهَا حَتَّى دَفَعَتهَا عَنكَ يَدُ القُدرَةِ وَأَخرَجَتكَ إلَى الأَرضِ فَرَضِيَت أَن تَشْبَعَ وتجـُوعُ هِيَ، وَتَكسُوكَ وَتعرَى، وَتُروِيكَ وَتَظمَأُ، وَتُظِلُّكَ وتَضحَى، وَتُنَعِّمَكَ ببُؤسِهَا، وَتُلَذِّذُكَ بالنَّومِ بأَرَقِهَا..."(2)، والحديث فيه تتمّة تبيّن تفاصيل مجاهدة الأمّ. حبيباتي أرجو منكنّ أن تطالعنَ رسالة الحقوق للإمام السجّاد (عليه السلام)؛ للتعرّف أكثر على حقوق الوالدين والإخوان، بل كلّ الحقوق التي علينا. زينب: وهل ورد شيء عن حقّ الأب؟ أمّ زهراء: بالتأكيد، يقول إمامنا زين العابدين (عليه السلام): "وَأمَّا حَقُّ أَبيكَ فَتَعلمَ أنَّهُ أَصلُكَ، وَأنَّكَ فَرعُهُ، وَأَنَّكَ لَولاهُ لَم تَكُن، فَمَهمَا رَأيتَ فِي نفْسِكَ مِمَّا يُعجِبُكَ فَاعلَم أَنَّ أَبَاكَ أَصلُ النِّعمَةِ عَلَيكَ فِيهِ وَاحمَدِ اللَّهَ وَاشكُرهُ عَلَى قَدرِ ذَلِكَ وَلا قُوَّةَ إلّا باللهِ" (3). أمّ حسين: الله يشهد بأنّي كلَّما قرأتُ حقّ الأبوين في رسالة الحقوق تدمع عيناي، ويخفق قلبي؛ لما فيها من وصف لجهاد الآباء والأمّهات، وعظيم قدرهم عند الله تعالى. زهراء - وقد ترقرقت عيناها بالدموع -: أمّي الحبيبة، هل أنتِ راضية عنّي؟ بالله عليكِ ارضي عنّي، واسألي أبي أن يرضى عنّي. احتضنتها أمّها وهي تجهش بالبكاء وقالت: راضية عنكِ حبيبتي، وأسأل ربّي أن يرضى عنكِ، نِعم البنت أنتِ. كلّ من زينب وآمنة ونبأ بدأت تطلب رضا والدتها. الثلّة الطيبة: الحمد لله الذي أنعم علينا ببنات صالحات، ممّن يستمعنَ كلام الله ويطعنه. ............................. (1) ميزان الحكمة: ج11، ص371. (2) شرح رسالة الحقوق -الإمام زين العابدين (عليه السلام): ص ٥٤٥. (3) بحار الأنوار: ج ٧١، ص ١٥.