الأعمَالُ اليَدَوِيَّةُ وتَأثِيرُها في الصِّحَّةِ النَّفسيَّةِ

أ‌.د. سعاد سبتي الشاوي/بغداد
عدد المشاهدات : 309

إنّ الإنسان بطبعه محبّ للفنون والأعمال الفنية اليدوية التي شكّلت تحوّلًا مهمًا في حياة الشعوب ونهضتها، وأخذت تتطوّر وتسهم في تغيير اقتصاديات الكثير ممّن يزاولها، وتعرّف بأنّها تلك الأعمال البسيطة التي يقوم بها الإنسان، التي تتميّز بكونها ذات طابع فني مميّز لاستخدام موادّ أولية بسيطة وغير مكلفة. تعتمد الأعمال اليدوية على مهارة اليد العاملة، وتحتاج براعة؛ لأنّها تمثّل توافقًا بين أعضاء الجسم المختلفة، بخاصّة بين اليدين والعينين، وهي على أنواع مثل: (المشغولات الصوفية، أشغال التطريز على الملابس، اللوحات الفنية، صناعة الحلي والسلال والأطباق، صناعة السجّاد اليدوي، النقش والرسم والنحت...وإلخ). إنّ للأعمال اليدوية أهمّية تاريخية وثقافية كبيرة لكثير من الشعوب، إذ شكّلت موروثًا ثقافيًا، وانتقل هذا الموروث من جيل إلى آخر، وكلّ جيل يأتي يعمل على تطويرها بما يناسب واقع حياته المعاصرة واحتياجاته الإنسانية، مثلما لها أهمّية اجتماعية أسهمت في تغيّر الكثير من المظاهر الاجتماعية في المجتمع، وعملت على تطوير بعض المفاهيم والعادات السائدة، وساعدت على الحدّ من البطالة التي تعاني منها المجتمعات، فتمّ تشغيل جزء كبير من الأيدي العاملة التي لم تجد فرص عمل، وكذلك الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة ممّن يمتلكون المهارات اليدوية، وأسهمت في رفع القدرة الابتكارية والإبداعية لدى الإنسان وتنميتها. وتعدّ الأعمال اليدوية وسيلة للترفيه والتسلية وملء الفراغ، ولها فوائد نفسية وجسدية عديدة، منها الاسترخاء وعدم التوتّر، إذ إنّ حركة اليد في أثناء الأشغال اليدوية تعطي شعورًا بالاسترخاء مثل اليوغا أو تمارين التأمل؛ وذلك لأنّ حركات اليد في هذا الوقت تحفّز الجسم على إنتاج هرمون يقوم بتهدئة الجسم، مثلما أنّ حركة العين تُحسّن من حالة الذاكرة بنسبة كبيرة للغاية. إنّ الأعمال اليدوية مضادّة للاكتئاب، فعندما نقوم بعمل شيء ممتع فأنّه يوجد مركز خاصّ في الدماغ يفرز ناقلًا عصبيًا اسمه الـ(دوبامين)، وهذا الناقل العصبي يعطي شعورًا بالسعادة، ويقلّل من الاكتئاب، فضلًا عن تعزيز الثقة بالنفس وتنمية الإحساس الإبداعي، فعند إنتاج شيء من صنع اليد، وينال إعجاب الآخرين يشعر المرء بمزيد من الفخر والثقة، كذلك تعمل على التخلّص من الوزن الزائد، فهي بمثابة إدمان إيجابي يجعل المرأة تستبدل رغبتها في الأكل والإفراط فيه بشغل فراغها بشيء مثمر، ممّا يسهم في إنقاص الوزن الذي تحاول الكثيرات الوصول إليه، وتحسين الذاكرة وتأخير الشيخوخة، فهي تنشّط الذاكرة وتُسهم في حركة الدورة الدموية، وتعمل على تسكين الآلام الجسدّية نظرًا لمساواة تأثيرها لبعض التمارين الرياضية التي تعمل على تخفيض سرعة نبضات القلب، وتقليل ضغط الدم، وتقليل هرمون التوتّر في الدم، وأنّ التركيز فيها يقلّل الإحساس بالألم؛ لأنّ الألم ليس من أعضاء الجسم، بل من إشارات الدماغ، وتلك الأعمال اليدوية تجعل الدماغ ينشغل تمامًا، ولا يسجّل إشارات الألم. إنّ الإحساس بامتلاك ما تصنعه الأيدي يعطي الشعور بالثقة بالنفس والسعادة والراحة النفسية، وتظهر أهمّية الأعمال اليدوية في حياة المرأة لكونها عوضًا عن أمور سلبية مختلفة تفسد حياتها، وللعامل المادي الذي تحصل عليه أثر أيضًا، ويمكن أن يستمرّ ويكون مشروعًا حيويًا تتكسّب منه، فالفائدة ليست صحّية ونفسية فقط، بل اقتصادية أيضًا، لها ولأسرتها، لتكون شخصًا منتجًا لا مستهلكًا فقط.