الأِمَامُ الغَائِبُ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) والارتِبَاطُ الوِجدَانِيّ مَع المُجتَمَع
الانتظار هو حالة قلبيّة توجدها الأصول العقائدية الثابتة لترقّب ظهور الإمام الغائب (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وقيام دولته وامتلاءها قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، وانتصار الدين القويم على جميع الأديان لحتميّة ظهوره، وتحقيق أهداف الأنبياء ورسالاتهم ونبواتهم بظهور المخلّص آخر الزمان؛ لتحقيق آمال البشرية على يديه؛ لذا فإن العقل يؤكد على التهيّؤ والاستعداد لهذا الظهور المنتظر، كما أكدّت الأحاديث الشريفة على لزوم ترسيخ المعرفة الصحيحة بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وغيبته وحتمية ظهوره المقترنة بالعناصر العقائدية والنفسية والسلوكية للمجتمع, فهل المجتمع يعي هذه العناصر ويعرف شروط الانتظار الواجب اتّباعها كسلوك عملي كي يكون مُنتظِراً حقيقياً؟ وهل يعرف حقيقة الانتظار ككيفية نفسيّة ينبعث منها التهيّؤ لما ينتظره ولا ييأس من الظهور؟ وما هي تكاليف عصر الغيبة الكبرى؟ لمعرفة ما على المؤمن أن يتحلى به من خصال تزيد من ارتباطه بالإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في هذه المدة الحرجة التقينا بالسيدة (زينب صادق/ التوجيه الديني في العتبة العباسية المقدسة): كيف يكون ارتباط الإنسان الملتزم مع الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ إن أول الأمور وأهمها هي معرفة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فلابدّ من أن نعرف أنه إمام مفترض الطاعة، وأنه حجة الله في الأرض، ومعرفته عن طريق التزامنا بالتكاليف الشرعية والعمل بها، ومن أهم الوظائف انتظار الفرج. إن المنتظر لفرج الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو الذي يقوم بدور ما في زمن الغيبة، ولو دوراً بسيطاً، أمّا الانتظار الحقيقي فهو ذلك الانتظار الذي يستتبع العمل. وعلى المؤمن الملتزم أن يعيش مشاعر إمامه في زمن غيبته. فهو يعيش آلامنا وهمومنا وينتظر الفرج، فهنيئاً لمَن شاطره من هذه الأمة بالآلام والهموم، وقد جاء في الحديث الشريف عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: "مَن أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومَن سمع رجلاً ينادي يا لَلمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم".(1) ولإدخال السرور على قلب إمامك عليك أن تقلع عن منكر عاكف عليه، فالذي يتورّع في زمن الغيبة أرقى ممّن يتورع في زمن الظهور. أمّا السؤال الثاني فكان موجهاً إلى الشيخ (رافد الغريباوي): كيف يكون التواصل مع الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ التواصل الصحيح مع الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يكون عن طريق التمسك بأحكام الدين، وتطبيق الشريعة، واتّباع أخلاق أهل بيت النبوة صلوات الله وسلامه عليهم والتسليم لهم، وكذلك اتّباع مَن أوصانا بهم - وهم ممثّلوه ألا وهم المراجع العظام رعاهم الله -، والرجوع إليهم بالأحكام الشرعية وغيرها، وكذلك علينا تطبيق أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) والحفاظ على تراثهم والتمسك بهم. وينبغي أن نعرف أنّ الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) مطّلع على أحوالنا، ففي رسالته للشيخ المفيد يقول: "... فإنّا نحيط علماً بأنبائكم ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مُذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون. وإنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء"(2)، فالإمام يتابع أوضاع المؤمنين ويحيط علماً بالتطورات التي تحصل لهم والمؤامرات التي تُحاك ضدّهم من قِبل الأعداء لإبادتهم، فيتخذ الإجراءات اللازمة لدفع الأخطار عنهم بأشكالها المختلفة وهذه الرعاية هي إحدى العوامل الأساسية التي تفسّر حفظ أتباع أهل البيت (عليهم السلام) وسر بقائهم على مدى الأجيال على الرغم من شدة الحملات الإرهابية والفكرية لقرون طويلة. هل المجتمع مهيّأٌ للظهور؟ عن هذا السؤال أجابت السيدة جنان طالب آل ماجد (مهندسة كيمياوية): يعيش المجتمع الإسلامي في الوقت الحالي صراعات عديدة من جراء الظروف السياسية، الأمر الذي ولّدَ احباطات نفسية وفكرية، فتقاعس الكثير عن العمل وتغلّب حب الأنا، فكيف لمجتمع كهذا أن يكون مُهيّأً لظهور مولانا الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف). فالانتظار في حقيقته هو نوع من أنواع العبادة لكونه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعقيدة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "مَن مات ولا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية".(3) بل هو أفضل العبادة؛ فعنه (صلى الله عليه وآله): "أفضل جهاد أمتي انتظار الفرج".(4) أمّا التهيؤ الصحيح للمجتمع فيكون ببناء الفرد أولاً (عن طريق السعي في التقرب إلى الله (سبحانه وتعالى))، ثم بناء المجتمع المتكامل، وأن يعرف كلّ فرد مسؤوليته تجاه نفسه وتجاه الآخرين، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ فالتكافل الاجتماعي يرقى بالمجتمع الإسلامي إلى درجة الكمال والاستقرار النفسي، فيكون الانتظار أملاً مقروناً بالعزة والكرامة ورفض الذل والهوان، ومُعزّزاً بإعمار الأرض. حينها فقط يمكن أن نكون مؤهلين لنصرة مولانا (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ونوفّق للعمل تحت إمرته في تأسيس دولة العدل العالمية. عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: "من سرّ أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فان مات وقام القائم بعده كان له مَن الأجر مثل أجر مَن أدركه، فجدوا وانتظروا، هنيئا لكم أيتها العصابة المرحومة".(5) وكان رأي الأخت فوزية سعد/ مدرّسة في مدرسة الإمام الحسين (عليه السلام): ينبغي على المؤمن أن يكون على استعداد تام للظهور عن طريق التواصل مع الإمام، ويكون ذلك بأداء الواجبات وترك المحرمات والتحلي بالأخلاق الحميدة، فقد جاء في إحدى تواقيع الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف): "فليعمل كلّ امرئ منكم بما يَقْرُبُ به من محبتنا، ويتجنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإن أمرنا بغتة فجأة حين لا تنفعه توبة، ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة، والله يلهمكم الرشد، ويلطف لكم في التوفيق برحمته".(6) فتكون شروط المواصلة والاستعداد: 1. معرفة الإمام والإيمان بإمامته وغيبته، ومعرفة وظيفة الإمام والإيمان بأن ظهوره محتمل في أي وقت، وترقب ظهوره وقيام الدولة العالمية. وينقل لنا التاريخ أن بعض الشيعة لشدة يقينهم بالظهور المحتمل في أي وقت كانوا ينامون وسيوفهم تحت مضاجعهم. 2. تربية النفس وإعدادها بصورة كاملة لنصرة الإمام عن طريق التمسك بالثقلين والتخلق بأخلاقهما من ناحية الشخص نفسه، أما من ناحية تربية المجتمع فيجب أن يكون الشخص داعياً أن يدعو الناس إلى نشر علوم أهل البيت (عليهم السلام) ومظلوميتهم، ويدعوهم الناس إلى دين الله الحق، وتربية أنصار الإمام، والتبشير بثورته الكبرى. فكلما كان الترقب والاستعداد والمواصلة أشد كان التهيؤ آكد فإن كان هناك مسافر تتوقع قدومه من السفر ازداد التهيؤ كلما قرب حين الوصول، وكلما زاد الحب للمنتظر أكثر كان الاستعداد والتهيؤ أكثر. فسلام على المهدي الموعود، وسلام على منتظريه، وسلام على غيبته وظهوره، وسلام على الذين يدركون ظهوره على نحو الحقيقة. السلام عليك أيها الناصر للحق الداعي إليه بكلمه الصدق، اللهم طال الانتظار، وشمت بنا الفجار، وصعب علينا الانتصار، اللهم أرنا وجه وليك الميمون في حياتنا وبعد المنون. يا نساء الأمة الإسلامية.. النساء هنّ جوهرة عقد الحياة، وتمام مبناها وإكمال معناها حين يدركن قيمهن ويعرفن واجباتهنّ ويفهمنَ حدودهنّ ويعلمنَ أنه بدونهنّ تتدمر الأسرة وينهار المجتمع؛ لأنهنّ حافظات النسل ومربيّات الجيل، وهنّ أقدس ما في الحياة، لقد أراد الله تعالى للمرأة أن تكون درّة مصونة وجوهرة مكنونه؛ لهذا اهتمّ بها الإسلام اهتماماً خاصاً، ووضعها في الموضع الذي يحفظ كرامتها وعفتها على أفضل حال وأحسن صورة؛ ومن هنا كان لزاماً عليها أن تربّي نفسها وأبناءها ومتعلقيها على المبادئ الإسلامية وبخاصة ثقافة التمهيد لدولة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بالورع والعفة والصلاح. .......................... (1) الكافي: ج2، ص235. (2) أعلام الهداية: ج1، ص147. (3) بحار الأنوار: ج23، ص300. (4) معجم أحاديث المهدي: ص290. (5) بحار الأنوار: ج52، ص140. (6) الاحتجاج: ج2، ص272.