النَّفحَةُ الكَاظِمِيَّةُ
سليلة مجد وذات عزّة وكبرياء، سليلة أصل وأنعم بها، أخت الرضا وبنت موسى بن جعفر (عليهم السلام)، نشدت الأخوة ولحقتها، لكنّها لم تصل إليه، فادركتها المنيّة وشرّفت دوحة قم وقدّستها، تلك هي فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام)، الملقّبة بـ(المعصومة). تلك المرأة العظيمة التي لم تقتصر عظمتها على أنّها ابنة الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام)، والتي عاشت في قلبه وروحه وامتزجت به منذ طفولتها، حتى اندمجت به اندماجًا جعلها تعيش كلّ مشاعره وأحاسيسه، لم تكن العلاقة بينهما علاقة بنت وأب، ولكنّها كانت علاقة تمتزج فيها المحبّة بالرسالة، فقد ورثت عنه الكثير من الصفات والشمائل، وهذا ما قد يكون سببًا في أن تحتلّ هذه السيّدة الجليلة تلك المكانة الرفيعة، وكانت جليلة القدر حتى لُقّبت بألقاب عديدة، منها محدّثة أهل البيت (1). كان يُضرب المثل في المودّة الأخوية بينها وبين الإمام الرضا (عليه السلام)، وكنّاها الإمام الكاظم (بنت أبيها)، وكانت بالنسبة إلى الإمام الرضا (عليه السلام) مثلما كانت السيّدة زينب (عليها السلام) بالنسبة إلى الإمام الحسين (عليه السلام)، لقد رحل الإمام الرضا (عليه السلام) إلى أرض طوس (مرو) تاركًا المدينة المنوّرة بأمر من المأمون العبّاسي، وبعد برهة من الزمن على هذا الفراق المرير، صمّمت أن تلتحق بأخيها وإمام زمانها، لتكون كعمّتها زينب في تحمل المسؤولية وإعلانها الحرب ضدّ الطغاة والجبابرة كالمأمون العباسي، لتكشف زيف العباسيين مثلما كشفت السيّدة زينب (عليها السلام) زيف الأمويين. خرجت من المدينة بصحبة أربعة من أخوتها وجمع من أبنائهم، وعدد من الأحبّاء والخدم، وهي بشوق لرؤية إمام زمانها، ولمّا اقتربت القافلة من مدينة (ساوة)، وكان أهلها من الحاقدين على أهل البيت (عليهم السلام)، والموالين لحكومة العباسيين، فوجئت القافلة بهجوم مباغت وبإيعاز من المأمون العباسي وطغمته الحاكمة، فقُتِل أخوتها وعدد من رجال القافلة. وعلى أثر ذلك مرضت السيّدة المعصومة ـ ويقال إنّها سُقيت سمًّا ـ وكان مرضها شديدًا ممّا منعها من مواصلة السفر إلى مرو، وكانت قريبة من مدينة (قم)، وكان أهلها من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام)، فغيّرت القافلة مسيرتها إلى قم، فاستقبلها أهلها بالحفاوة والترحيب والتبرّك بها لكونها من نسل آل البيت (عليهم السلام)، وكان من مستقبليها السيّد موسى بن خزرج، وطلب استضافتها عنده، فأنزلها في حجرة عُرِفت بـ(بيت النور)، وبقيت فيها (١٧) يومًا وهي تكابد المرض حتى ارتحلت إلى جوار ربّها غريبة كأخيها الرضا (عليه السلام) في (١٠ربيع الثاني سنة ٢٠١هـ)، وشُيّع جثمانها الطاهر بعزّة واحترام إلى مثواها الأخير الواقع في روضة (بابلان)، وبنى موسى بن خزرج قبرها وأظلّه بالحصير، وفي القرن الثالث الهجري بنت زينب بنت الإمام الجواد (عليها السلام) على قبرها قبّة، وقد دُفنِت معها، مثلما دُفِن معها خمس من بنات الرسالة، واثنان من أحفاد الأئمة الأطهار (عليهم السلام) (2). حظيت السيّدة المعصومة (عليها السلام) بمكانة ومنزلة عظيمة عند الإمام الرضا (عليه السلام)، إذ قال في فضل زيارتها: "مَن زارها فله الجنّة، وفي رواية أخرى: كمَن زارني" (3). قُدّست وتقدّست بقعة أنتِ فيها، ورزقنا شفاعتكِ وشفاعة آبائكِ الطيبين الطاهرين (عليهم السلام). ........................................... (1) غريب خراسان ـ سلسلة العترة: ص٢٢-٢٤. (2) نقلًا عن كتاب شهد الأرواح، والنجوم المتناثرة بتصرّف. عن السيدة المعصومة. (3) كامل الزيارات: ص٣٢٤.