رياض الزهراء العدد 175 أروقة جامعية
الضِّيَاءُ وَسطَ الظُّلمَةِ
في الحقيقة لا نُجيد الإجابة عن أيّ شيء، ونجهل تفسير الكثير من الأمور التي تضعنا الأيام في مواجهتها، لِمَ؟ لماذا؟ وكيف؟ علاماتُ استفهام لا نهائية تُحلّق فوق عقولنا، فتتبخّر من دون أن نجد لها أيّ جواب. لكن أكثر ما نتمنّى أن نجدُ إجابةً له هو لماذا يفعلون ذلك؟ لمَ يوجعوننا؟ لِمَ يتلذّذون بالتقليل من شأننا في الوقت الذي نسعى فيه إلى رفع مقامهم؟ لِمَ يُصرّون على أن يذكرّونا بأخطائنا السالفة، وكأنّهم ملائكة منزّهون عن الخطأ، يعدّون نضجنا وتغيّر أفكارنا مجرّد تناقض، حين يصل الأمر عندنا يُشعروننا بأنّ الله سيعذّبنا عذابًا أليمًا، ولكن حين يصل الأمر عندهم فأنّه غفور رحيم. الحياة بأعينهم وُجدت لهم فحسب، ولا يرون إلّا أنفسهم فيها. المؤلم في الأمر برمّته، هو أنّهم أقرب الناس إلينا، أشخاص تربطنا بهم روابط دم، أو علاقة امتدّت لسنوات، أشخاص شاركونا الحياة بحلوها ومرّها، ضحكنا وبكينا معًا، لاقينا المصاعب نفسها، واجتزناها معًا. ماذا تُغيّر الحياة فيهم، ومن أين تحتلّ القسوة كلّ هذه المساحة من قلوبهم؟ ذات الأشخاص الذين نشعر للحظة أنّهم هدية لنا من السماء، هم أنفسهم الأشخاص الذين يتركون في أرواحنا اختناقات وأوجاعًا عميقة بظرف لحظات. كلام مُداف بالسمّ، المقاصد المخفية وراء كلامهم مؤلمة جدًا، ويومًا تلو الآخر ستشعر بأنّكَ اعتدت على كلّ ذلك، بل إنّ الأمر أصبح طقسًا لابدّ منه كلّ يوم، وفي كلّ مرّة يجرحونكَ فيها ستُصبح أقوى، ستعرف كيف تردّ عليهم ردودًا حكيمة، وتحافظ على رباطة جأشكَ، سيكون لهؤلاء الأشخاص فضل كبير في نُضجكَ، ستعلم أنّ كلّ محاولاتهم لإيقاعكَ إنّما تؤكد لكَ أنّكَ أعلى منهم، هؤلاء مَن سيجعل نجمكَ يسطع، سيعلّمونكَ كيف تثق بنفسكَ وتدافع عنها، وكيف تسعى للإيجابية والنجاح، وأذكر أنّ كاتبًا عربيًا حين طبع أول كتاب له جعل الإهداء في الصفحة الأولى كالآتي: "إلى مدرّس اللغة العربية، الذي قذف دفتر التعبير في وجهي وقال: ستموت قبل أن تكتب جملة مفيدة...!" اشكرهم من أعماقكَ، وابتسم لكلامهم دائمًا، تعلّم كيف تحرقهم بنجاحكَ، وتدفنهم بثقتكَ، اجعل منهم دافعًا لتقدّمكَ، مثل السهم حين يتراجع لينطلق بقوةٍ أكبر، واعلم أنّ كلّ أمر ينتقدونه فيكَ، فهو أمر قد عجزوا عن بلوغه، هؤلاء هم سماؤكَ المظلّمة، ولولاهم لما استطعتَ أن تسطع مثل النجم.