رياض الزهراء العدد 175 ألم الجراح
مَولُودُ سَامَرّاءَ
هي أيّام ربيعكِ الأول يا سامرّاء، قد تصرّمت بزهورها الفوّاحة بعطر النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وعطر الإمام الصادق (عليه السلام). ليهلّ عليك الربيع الآخر، الذي تلتمس فيه روحكِ الغنّاء بركات وأنوار خاصّة من آل الرسول (عليهم السلام)، وتجد إشراقة الأنوار المحمّدية طريقها إليكِ، فيجد السرور مكانه المقدّس بين جدران ضريحكِ الطاهر. أفراح ولادة امتدّت من السلالة العلوية؛ لتشرق به شمس الأمل مبتسمةً، تدفئ القلوب. شمس أنارت المدينة بنور يعبر الآفاق؛ ليصل إليكِ يا سامرّاء مع أغصان ناضحة بالعطاء؛ لتشملكِ رحمة الربّ الكريم أن تجعل لكِ في ولادة الحسن الزكيّ (عليه السلام) نصيبًا. تمتدّ يد الإمام الهادي (عليه السلام) لحمل ابن الرسالة، يستنشق في عبير أنفاسه أنفاس الأئمة الماضين، فيقرأ في محيّاه خارطة الملكوت، وترسم عيناه دربًا يتشظّى منه الأمن والأمان؛ لأجل عبور ركب العشق الإلهي. فتمتدّ تلك الكفّان الصغيرتان وكأنّهما تمتدّان إلى حضنكِ الكبير، حيث تشير تلك الأنامل الطاهرة إلى وطن تسترخي تحت أفيائه قلوب الموالين، يرسم بيده عبر مشهدٍ في آفاق المستقبل قبّة عانقت مناراتها الشمس، وخجلًا من جمالها يقف القمر على بابها حيران، وقفة أسير منكسر يستأذن للدخول، حيث أبوابها أبواب السماء، تُفتح شوقًا على الأرواح العابقة بالحنين، فتترقرق دموع الفرح ملهوفة، ممزوجة بالحسرة، تشكر الله أن وفّقها لنيل درجة الوصول إلى تلك الأبواب الطاهرة، فتخاطب باب العسكريّين بنغم الرجاء: مولانا الحسن، مولانا الحسن... تتجسّد تلك الطفولة الطاهرة كطير سلام يرفرف فوق الرؤوس، يحوّل تلك الأرواح الميتة إلى حياة لا تعرف الوجود إلَّا من ألق وجوده المقدّس، يحرسهم ويحيطهم بالحنان. أدرك الإمام الهادي (عليه السلام) من عين وليده المبجّل، ذاك الحبيب الذي أودع في ثنايا قلبه الصغير كلّ آماله أنّ بسامرّاء ألقًا في التاريخ، وشرفًا ما بعده شرف، فيؤيد ما قرأه في وجه الصغير بقبلة القبول والإيجاب، فهم أهل علم سماوي. وإن كان للمدينة حبّ كبير، فهي مدينة حبيب الله محمّد (صلّى الله عليه وآله)، لكنّ لسامراء حنينًا آخر يختلف عن الحنين لأيّ مدينة مقدّسة أخرى، ففي ترابها يمتزج الحبّ والوفاء، وأرضها تنتظر أن تشرق شمس إمام بديع التكوين والضياء، تنتظر أن يطلّ على عالمها نجم آخر من ذرّية الحسن العسكريّ (عليه السلام)، فيراقب الهادي (عليه السلام) مع مولوده الحسن تلك الجوهرة المكنونة التي لها البشارة لتلك الطلعة البهية التي ستشرق من نور يُعشي الأبصار، يملأ الأرض الواسعة ضياءً وبهاءً وكمالًا، فاستبشري يا أرض سامرّاء بوليدكِ المبارك.