مَدَارِسُ العَمِيدِ فَيضٌ مِن نَبْعِ سِيرَةِ أَهْلِ البَيْت (عليهم السلام)

تحقيق وتصوير: وفاء عمر عاشور
عدد المشاهدات : 184

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة”.(1) لقد حثّ الإسلام منذ بداياته على أهمية التعلّم وجعله الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) بمثابة عبادة مفروضة على كلا الجنسين من الذكر والأنثى؛ وذلك لأهمية العلم في تطوير المجتمعات وتقدّمها وانتشالها من الجهل. فالعلم نور والجهل ظلام. والأطفال هم جيل المستقبل، وهم مَن يقود المجتمع نحو الأفضل، وهم ثروة بشرية مهمة، وإذا كُرّست الجهود لتطوير هذه الثروة البشرية سيحظى المجتمع بالتأكيد بجيلٍ واعد يتمتع بوعي ثقافي وديني وعلمي، قادر على النهوض برسالة الأمة في المحافظة على دينها وتراثها ورقيّها بين الأمم، فإن تنمية هذه الفئة العمرية ستعطي ثمارها في المستقبل.وقد بادرت إدارة العتبة العباسية المقدسة بفتح مدارس ابتدائية حرصاً منها على الجانب التربوي والتعليمي في العراق؛ ولكي تُساهم بشكل فعّال من أجل النهوض والارتقاء بالجانب العلمي والتربوي لمحافظة كربلاء، وسُمّيت المدارس باسم (العميد) تيمناً بأحد ألقاب أبي الفضل العباس (عليه السلام)، وتمّ افتتاح مدرستين ابتدائيتين إحداهما للبنين والأخرى للبنات. وكانت لمجلة رياض الزهراء (عليها السلام) وقفة مع الكادر التدريسي للمدرسة، والتقينا بالست (سهيلة محمد مهدي إلطيف) مديرة مدرسة العميد الابتدائية للبنات التي رحبت بنا، وأجابت مشكورة عن بعض الأسئلة: ما الذي يميز مدارس العميد؟ إن الذي يميّز مدارس العميد هو إدخال منهج إثرائي إضافي بنسبة 20% إلى المنهج العام المعتمد من قِبل وزارة التربية، ويُعنى هذا المنهج بالجانب الأخلاقي والعقائدي والديني زيادةً على التنمية البشرية وتعلّم الحاسوب، علماً أن هذا المنهاج أُعدّ من قِبل متخصصين، وقد احتضنت المدرسة (215) طالبة من مختلف المراحل، وتمّ تزويدهنّ بزي المدرسة الموحد، وقامت الطالبات باختياره تلقائياً من مجمع العفاف التابع للعتبة هدية من المدرسة إلى طلابها في عامهم الجديد، كما وفرت المدرسة مركبات لنقل الطالبات من البيت إلى المدرسة وبالعكس. وماذا عن أوقات الدوام؟ في البداية كان الدوام يبدأ من الساعة الثامنة صباحاً إلى الساعة الرابعة عصراً، وبعدما عُقد مجلس الآباء الذي استضافته العتبة العباسية المقدسة اقترح أولياء الأمور أن يكون انتهاء الدوام في الساعة الثانية والنصف ظهراً، وتمّ العمل بهذا المقترح. ممّن يتكون كادر المدرسة؟ يتكون من مديرة المدرسة، واثنتين من المعاونات و(26) معلمة، ومرشدة تربوية، وباحثة اجتماعية. قمنا بجولة في المدرسة رافقتنا فيها الست (آلاء عصام/ معاونة المدرسة) وتحدثت لنا مشكورة عن المدرسة فقالت: إن المدرسة تتكون من طابقين من الصفوف، وتحتوي على مصلى ومختبر للعلوم، ومرسم، وقاعة لتعلم الحاسوب زُوّدت بالشاشة الذكية، ويوجد في المدرسة ساحة خلفية لممارسة الألعاب الرياضية، وتمّ تسقيفها ومن المؤمل في المستقبل أن تُفرش أرضيتها بالتارتان، كما زُوّدت الساحة بكرة السلة لإشاعة الحيوية والنشاط بين الطالبات، كما يوجد دولاب (لوكر) في كلّ صف لوضع حاجات الطالبات الخاصة، وهناك برادات ماء، وتحتوي المدرسة على صفّ للأطفال قليلي الاستيعاب (الصف الخاص)، وهو صف مختلط بين البنين والبنات وتبذل المعلمات فيه قُصارى جهودهنّ لتعليم هذه الفئة من الأطفال. وفي أثناء تجوالنا لفتت أنظارنا جدارية (هل تعلم؟) فأخبرتنا الست آلاء: أنها من تصميم الطالبات بإشراف المعلمات لاكتسابهنّ المهارات اليدوية وتزويدهنّ بالمعلومات العلمية والطريفة بشكل جديد وجذاب، ويوجد صندوق سُمي بصندوق الاقتراحات في زاوية المدرسة تشرف عليه هيئة مكونة من أولياء الأمور تقوم بقراءة المقترحات المقدّمة إلى المدرسة ومناقشتها مع الكادر التدريسي حرصاً من المدرسة على التواصل الدائم بينها وبين البيت. وبينما نحن نتجول في أروقة المدرسة دقت الساعة الثانية عشرة ظهراً، فنودي على الطالبات بواسطة جهاز تكبير الصوت (السماعة): أيها الطالبات العزيزات تهيأنَ للصلاة والطعام مع مراعاة غسل أيديكنّ قبل دخول قاعة الطعام. ما هو الوقت المحدد للصلاة والطعام، وما هي نوعية الطعام المقدّم؟ إنّ الوقت المحدد هو ساعة، من الساعة الثانية عشرة ظهراً إلى الساعة الواحدة ظهراً، والطعام المقدّم يكون منوعاً يلائم احتياجات الطفل من الغذاء؛ ليزوده بالطاقة التي يحتاجها، علماً أنّ المطعم مكون من طابقين، ويحتوي على كراسي بحسب عدد الطالبات، وعلى عدد من الطاولات تجمع كلّ واحدة منها خمس طالبات حولها، ومن المؤمل أن تزوّدنا العتبة المقدسة ببعض البرامج الكارتونية الملائمة لأعمار الطالبات، وذلك لعرضها في أثناء الاستراحة في المطعم. ما هي نشاطات المدرسة؟ إنّ للمدرسة نشاطات عديدة بعضها في داخل المدرسة، حيث نقوم بتشجيع الطالبات على اكتساب المهارات اليدوية وبخاصة في درس التربية الفنية المحبب إلى أنفسهنّ، ونقوم بنشر تلك الأعمال الفنية البسيطة التي صُنعت بأنامل الطالبات على جدران المدرسة، مما يعزز ثقتهنّ بأنفسهنّ، كما نشجع الهوايات الأُخر كالرسم والخط والخطابة وغيرها. أمّا عن النشاطات الخارجية، فلقد قدّمت المدرسة مسرحية عُرضت على شاشة قناة كربلاء الفضائية تتحدث عن السيدة رقية (عليها السلام) ولاقت إعجاب المشاهدين لها، وشاركنا كذلك في مسابقة حفظ خطبة السيدة زينب (عليها السلام)، وهناك فعالية تقدّمها المدرسة في مسابقة الحسيني الصغير التي عدّتها العتبة الحسينية المقدسة حيث شاركنا بـ (11) فعالية منها: (الخطابة، الرسم، الخط، حفظ دعاء الفرج ...) زيادةً على الرحلات الترفيهية إلى مدينة الزائرين. إنّ إيصال العلم والمعرفة من الأولويات التي تسعى إليها جميع المدارس وأنّ استخدام الطرائق القديمة والجافة البعيدة عن المرونة التي لا تلائم ما يشهده العصر من انفتاح على جميع المجالات وبخاصة حرية الرأي والتعبير عن الذات التي أصبحت سمة من سمات هذا العصر أدّى إلى نفور عدد كبير من الطلاب من مدارسهم وخسارة المجتمع لهم؛ ولذلك حرصت مدارس العميد على بذل جهود مُضنية من أجل كسر هذا الجدار بين المعلم والتلميذ، والتأكيد على تغذية الطفل بالتربية الروحية والأخلاقية والعقائدية المستمدة من أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)، وتحويل العلاقة بين المعلم والطالب من صراخ وتهميش لمهاراته إلى علاقة تسودها الرحمة والمودة الأبوية، فكانت مدارس العميد فيضاً من نبع سيرة أهل البيت (عليهم السلام). ............................ (1) ميزان الحكمة: ج3، ص370.