التَّكَتُّمُ عَلَى ظُلامَاتِها (عليها السلام) إضلالٌ لِلأُمّةِ
لم تقتصر ظلامةُ السيّدة الزهراء (عليها السلام) على حياتها؛ حيثُ كسر ضلعها وإسقاط جنينها وغصب نحلتها، بل امتدّت إلى ما بعد استشهادها فيما ارتُكب من جرائم وحشيةٍ بحقّ الأطهار من ولدها، بل لا تزال ظلاماتها مستمرّة حتى اليوم عبر الدعاوى المُضلّلة التي تدعو إلى التكتُّم على ظلاماتها وعلى ما لاقته من جورٍ وغصبٍ وتعدٍّ، وما عانته من آلام وما ذرفته من دمعٍ وما زفرته من آهات؛ لحُججٍ واهيةٍ، أهمُّها: أنَّ ظلاماتِها (عليها السلام) لا تعدو عن كونها أحداثًا تاريخيةً، وعليه لا يمكن أن تكون ذات بعدٍ عقائدي، ومن ثمّ فلا جدوى من البحث في الماضي والتنقيب في التاريخ. والحقّ أنَّ البحث في الماضي والتنقيب في التاريخ منهجٌ قرآني؛ إذ دعا إلى النظر والتأمُّلِ في حياة الأُمَمِ السابقة للاستفادةِ وأخذ العِظةِ والعِبرة، قال (تعالى): (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ) (الفجر: 6-10) فكيف بأحداثِ هذه الأمّة ذاتها؟! على أنَّ تقسيم الأحداث إلى تاريخية وعقدية تقسيمٌ غير دقيق؛ وذلك لأنَّ هناك العديد من الأحداث التاريخية لها اليدُ الطولى في إثبات مسائل عقدية مهمّة؛ وهل حادثة الغدير مثلًا مجرّد حدث تاريخي، وقد أُخذت البيعة لأمير المؤمنين (عليه السلام)؟! وعليه قد يكون الحدث التاريخي حدثًا عقديًا أو قل: يكشف عن موقفٍ عقدي. وبالعودةِ إلى قضية سيّدة النساء (عليها السلام) نجدها أحداثًا مفعمة بالمواقف العقدية، لا سيّما الولاية التي ما أدارت الزهراء (عليها السلام) رحى تلك الأحداث، وما طالبت بفدك، وما خطبت خُطَبها، وما فعلت ما فعلت إلّا لإثباتها وللدفاع عنها، وهل هناك أوضح من قولها (عليها السلام): "أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟!"(1)، وقولها (عليها السلام): "وأبعدتم مَن هو أحقُّ بالبسط والقبض"(2)، وهي وأمير المؤمنين (عليهما السلام) أصدق الناس بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله). أضف إلى ذلك فإنّ الأحداث تكشف عن أنَّ خصومها (عليها السلام) ممّن غضب الله (تعالى) عليهم؛ لقوله (صلّى الله عليه وآله): "يا فاطمة، إنّ اللّه لَيغضب لغضبكِ ويرضى لرضاكِ"(3)، وقد قال (تعالى): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) (الممتحنة: 13)، ومن ثمّ فقد كان لتلك الأحداث دور مهمّ في بطلان خلافة القوم، وفي نهي المسلمين كافّة عن تولّيهم على اختلاف الدهور. بل يكفي إثبات ظلم القوم بإثبات ظلاماتها (عليها السلام) للحكم على بطلان خلافتهم؛ إذ إنَّ الخلافة عهد من الله (تعالى)، وهو ممّا لا يناله أيّ ظالمٍ مهما تصاغر ظلمه أو قلّ، فكيف بمَن ظلم بضعة الرسول وأخاه (عليه السلام)، قال (جلّ جلاله): (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة: 124). لكُلِّ ما تقدّم لا يمكن الادّعاء أنّ قضيةَ الزهراء (عليها السلام) هي قضيةٌ تاريخيةٌ محضة، وأنّها حبيسة الماضي، لا أثر لها في الحاضر والمستقبل، بل العكسُ صحيحٌ؛ فهي قضيةٌ ذاتُ أبعادٍ عقائديةٍ، وهي على مرِّ العصور دليلٌ لكُلِّ حائرٍ، ومُرشدٌ لكُلِّ مُتردِّدٍ، وهادٍ لكُلِّ ضالّ.. ....................................................... (1) و(2) بحار الأنوار: ج29، ص227 وص229. (3) المناقب (ابن المغازلي): ص351، ح401، أخرجه الحاكم النيسابوري في (المستدرك).