مُحَاسَبَةُ النَّفسِ

آمال شاكر الأسديّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 261

لما توعّد إبليس بغواية العباد، اتّخذ أبوابًا ومنافذ توقع النفس الإنسانية في المهالك والمعاصي والمفاسد، ومن هذه المنافذ جَعله الإنسان غافلًا عن محاسبة نفسه، ممّا يسبّب انحرافه عن السلوك المستقيم الصحيح، فمثلما أنّ لكلّ عامل ربّ عمل يحاسبه يوميًا على أعماله وما أدّاه خلال ساعات عمله، فكذلك ينبغي للإنسان أن يحاسب نفسه كلّ يوم؛ لأنّ النفس إن لم تُحاسب فستقع في مزالق الفساد والذنوب، وإهمال النفس يؤدّي إلى تماديها في الآثام، إذ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحشر: 18). فمَن يفتقر إلى محاسبة النفس يكون مُعرّضًا لأهواء النفس والشيطان؛ فقد رُوي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "أعدى عدوّكَ نفسكَ التي بين جنبيكَ"(١). ومحاسبة النفس وتهذيبها يكون عن طريق تأديبها بسوط الرقابة الإلهية، فالنفس ستُحاسب على كلّ فعل قامت به، قال تعالى: (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدىً) (القيامة: ٣٦). ولأنّ النفس في صراع دائم مع الإنسان، فيجب مواجهتها بالمثل للانتصار عليها، فهذا أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في كتابه إلى الحارث الهمداني: "خادِعْ نفسكَ في العبادة، وارفقْ بها"(٢). فالمحاسبة قيد للنفس، يحجبها من إطلاق العنان للخوض في الرذائل، والوقوع في ساحة المعاصي، والفرار إلى وَكر الشيطان، ولهذا يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "قيّدوا أنفسكم بالمحاسبة، واملكوها بالمخالفة"(٣). فيجب محاسبة النفس قبل أن يأتي اليوم الذي سيحاسبنا الله تعالى فيه؛ لنحصد ثمرة أفعالنا، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا"(٤). ولمحاسبة النفس ثمرات، منها أنّها تبني شخصية الفرد، وتنمّي القِيَم الفاضلة والمبادئ النبيلة لديه، ولهذا نجد أنّ الرسالة الإلهية اهتمّت بتزكية النفس وتهذيبها، فقال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ) (الجمعة: ٢). وفلاح الإنسان مقترن بصلاح النفس: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) (الشمس: ٩). وصلاح النفس مرحلة تأتي بعد محاسبة النفس، ومن الثمرات الأخرى لمحاسبة النفس معرفة عيوب النفس، وإحصاء الذنوب والاستغفار والتوبة منها، فهي توصل الإنسان إلى مراتب عالية، والسير بالسلوك الصحيح القويم الذي يريده الدين الإسلامي، فلنقتبس من كلمات المعصومين (عليهم السلام) نورًا حتى لا نقع في شِراك النفس وشبكة الشيطان. ......................................... (1) ميزان الحكمة: ج3، ص1848. (2) نهج البلاغة: الرسالة ٦٩. (3) ميزان الحكمة: ج١، ص ٦١٨. (4) بحار الأنوار: ج68، ص265.