رياض الزهراء العدد 176 تنمية البشرية
بَوصَلَةُ الأَفئِدَةِ
في يوم ليس كباقي الأيام، وفي ساعات لا يودّ مَن يشعر بها أن تنقضي، كلّ مَن في المكان يرغب في أن تكون الأوقات بلا نهاية، وتجد الجميع لا يلتفت إلى الساعات أيًا كان نوعها أو مكانها، بل إنّ الجميع يتمنّى لو أنّ الوقت يتوقّف، ويمتدّ ويتّسع ليستوعب كلّ قلوب المحبّين الوالهين، فتجد الأكفّ تتسابق لتقديم الخدمة الممكنة. نعم، كلّ ذلك وأكثر تشعر به وتلمسه تحت القبّة الشريفة للإمام الحسين (عليه السلام)، فتتلاشى عنده كلّ الأهداف الثانوية، وكلّ الحاجات الفردية، لتنصهر عند أعتابه وفي سبيل نيل وسام القبول للتشرّف بلقب خادم الإمام (عليه السلام)، عندها يتجسّد حجّ الأرواح إليه، فلا لقب علمي، ولا منصب أكاديمي، ولا انتساب لعشيرة ما، الكلّ يتسابق لتقديم ما يتسنّى له: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) (المطفّفين: 26)، فالفائز هنا مَن يسرع بالاغتراف من الفيوضات الإلهية التي تُصبّ صبًا، حينها ترى الأكفّ تتدافع مع بعضها بعضًا للفوز الكبير. في ظلّ هذا المشهد العظيم، تجد مفاهيم التنمية الحياتية تتجسّد حيث إنّ الهدف الذكي يعلو فوق كلّ الأفكار ويحرّك المشاعر والسلوكيات، وما أجمله من هدف، ألا وهو رضا الخالق العظيم عن العبد الضعيف، فيتحرّك الجميع لتطبيق شروط فِرَق العمل بلا تفكير، بل إنّ ما يدفعها هو تلك الطاقة الروحية التي لا يمكن قياسها بأيّ مقياس مهما بلغ من الدقّة، تجد الجميع كالفراشات الجميلة النشطة التي تطير هنا وهناك، وتعلو الوجوه تعابير الراحة النفسية والرضا على الرغم من كلّ التعب والإنهاك الجسدي، وفي المشهد ذاته تلمس المرونة تسطع وتبرز فوق كلّ الصفات، فيتمّ التغاضي عن أيّ أمر مزعج، وأيّ كلمة مؤذية، فيقوم العقل باستبدالها فورًا بعبارات حَسنَة؛ لتهدأ النفس وتطيب الخواطر، ويكون قول الإمام عليّ (عليه السلام) هو الأول والأخير: "لا تظنَنّ بكلمة خرجت من أخيكَ سوءًا وأنتَ تجد لها في الخير محتملًا"(1)، مثلما أنّ روح المبادرة تخيّم فوق كلّ الموجودين، فبلمح البصر تجد مَن بالقرب يهرول مسرعًا ليفوز بالاستجابة للهفة الطالب، وتهدئة المستغيث بأيّ وسيلة كانت. في هذه الأجواء نجد بأنّ هناك بوصلة كبيرة تُرشد الجميع بلا شعور لاتّجاه واحد، لمصدر الطاقة والجذب الكبير الذي يشدّ إليه كلّ الأنظار والأرواح، وتتجسّد الآن أمام عينيّ الآية الكريمة: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (إبراهيم: 37)، نراها على أرض الواقع وبدون أيّ مبالغة في الوصف. تلك هي بوصلة الأفئدة، والجاذب الكبير لكلّ محبّ، فعن طريقها يتمّ تنظيم كلّ مفاصل الحياة نحو الهدف المنشود، وهو رضا الله (سبحانه وتعالى) وقبول الأعمال، القرار بين يديكَ، وحينما تختار الاتجاه الصحيح فسيتمّ ترتيب كلّ نواحي الحياة بما يتناسب مع الاتّجاه المُختار، كلّ ما عليكَ هو التمسّك بتلك البوصلة والسير وفقها بدون أيّ انحراف، فهي المُخلّص من مهالك الحياة الفانية للوصول إلى السعادة الأبدية. ....................................... (1) ميزان الحكمة: ج6، ص55.