(رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي)
ورد انشراح الصدر في القرآن الكريم في عدّة آيات، منها قوله تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ) (الأنعام: 125)، وقوله تعالى: (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ) (الزمر: 22) وقوله تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (الشرح:1). ناهد: ما معنى شرح الصدر، وما أثره في اطمئنان النفس، وذهاب الخوف والقلق؟ فاطمة: إذا قلنا صدر مُنشرِح: أي خالٍ من الهمّ، و: (شَرْحُ الصدر، أي: بسطه بنور إلهي وسكينة من جهة الله وروح منه)(1)، واطمئنان من عنده سبحانه، أو بمعنى: (رفع الوحشة وحصول الأمن والطمأنينة ونورانية القلب)(2). فالانشراح حالة توصف بها النفس، ولكنّها تنعكس على سلوك الإنسان وتصرّفاته، فإذا قلنا منشرح الصدر أي يتقبّل الظروف بكلّ أنواعها، وينقاد إلى أحكام دينه بكلّ أريحية، لا يتذمر ممّا حوله، أو من المصائب التي تنزل عليه، بل يعيش حالة من الطمأنينة والهدوء النفسي. ناهد: هل شرح الصدر حالة تختصّ بشخصية معيّنة؟ فاطمة: شرح الصدر لا يختصّ بشخصيات معيّنة، وإنّما هو مهمّ لكلّ إنسان حتى الأنبياء، وقد ذكر القرآن الكريم شرح الصدر بالنسبة إلى رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وقد طلبه نبيّ الله موسى (عليه السلام) عند ذهابه لأداء مهامّه الرسالية، وقد جاء كهبة للمؤمنين. فأمّا ما يتعلّق برسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله)، فقد ذكر المفسّرون أنّ المراد منه ما ينزل عليه (صلى الله عليه وآله) من المعارف، أو ما يرجع إلى المعرفة والطاعة، بحيث إنّ صدره يسع وينفتح لجميع المهمّات ولا يضيق ولا يضجر. وفي سورة (طه) حين يذكر لنا الباري (عزّ وجلّ)، الحوار الذي دار بين موسى (عليه السلام) من جهة، وبين ربّ العزّة من جهة أخرى: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) طه: (25). فأوحى الله تعالى إليه وإلى أخيه: أن لا تخافا ولا تحزنا، فهدأت نفساهما واطمأنّتا. فموسى (عليه السلام) قدّم طلبه بشرح صدره على بقيّة الطلبات، وهذا إنّما يدلّ على أنّه المطلب الأساس والأهمّ. ناهد: فنفهم إذن أنّ شرح الصدر منّة إلهية، ونعمة ربّانية أنعم بها سبحانه على أنبيائه ورسله ليجتازوا الصِعاب، وليؤدّوا الرسالة على أكمل وجه. فاطمة: نعم، وكذلك بالنسبة إلى المؤمنين. فالمؤمن يخطو بعين الله مطمئنًا لا يخاف دركًا ولا يخشى، وعندما يشعر بمعية الله وحضوره، بخاصّة في الشدائد والمحن، فسيشعر بالراحة التامّة، والاطمئنان الكامل، ويحسّ بأنّ هناك قوةً فوق كلّ قوة تحميه وتدافع عنه ضدّ أيّ خطر، فتكون نفسه مطمئنّة. فالاعتماد على الله ورفع الأمر إليه سبحانه يجعل الإنسان يسير في هذه الحياة بقلب مطمئّن وصدر منشرح، بعيدًا عن المخاوف والهواجس والقلق، فإحساس المرء بمعية الله يريح النفس، ويذهب الهمّ والضيق. ناهد: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي). يتبع... ........................................ (1) المفردات في غريب القرآن: ص449. (2) التحقيق في كلمات القرآن الكريم: ص189.