رياض الزهراء العدد 83 مناهل ثقافية
المُبَارَزَةُ
كان اجتماعهما مجرد صدفة فليس من المعتاد أن يضمهما مكان واحد ولا زمان، فلكلّ منهما عالم مختلف، ففي لقاء نادر بثته قناة الحياة الفانية، وأمام أنظار الإنسان ذلك المخلوق الغافل الذي أفنى عمره وهو يعمّر الزائل على حساب خراب الباقي، فعندما بادر القصر بنبرة المتغطرس بسؤاله إلى القبر، بدا وكأنه أعلن الحرب على عالم الآخرة بقوله: أنت أيها القبر لطالما كان ذكرك مقروناً بالخوف والرهبة: القبر رادّاً: هذا لأن ساكنيك استحبّوا الحياة على الآخرة، فأبهرهم سحرك الخدّاع، وما سحرك هذا إلا فرح من سراب يتلاشى لحظة اصطدامه بالموت. القصر محاولاً تخطّي صدمة الجواب وكالطاووس مستعرضاً بهاءه وأُبّهته أمام القبر علّه بذلك يجبر الأخير على خلع درع المبارزة حيث أيقن إنه أمام خصم لا يُستهان به فقال: أنا ترجمان الحياة، وقليل هم مَن افلتوا من شراك حبائلي، ففي باحتي يتسامر الخلّان إلى ساعة السَحَر. القبر: وفي لحدي مضاجعهم فأين المفر؟ القصر: أنا متعة الغافلين. القبر: وأنا جنة العارفين. القصر: أنا رفيقي الأمل. القبر: وأنا رفيقي العمل. القصر: أنا الضجيج والأضواء. القبر: أنا السكون والظلماء. القصر: أنا غنيمة الورّاث. القبر: وأنا من يبتلعهم. القصر: وجوه ساكنيّ ناعمة نضِرة. القبر: مرغمة، أحيلها عظاماً نخرة. القصر: أنا مُلك السلاطين والتجار. القبر: لا ملك إلا لله الواحد القهّار. فلما أدرك القصر أنّ لامحيص من سطوة القبر، وأنّ المبارزة التي أعلنها محكومة بالفشل خنع معترفاً حيث قال: الآن حصحص، الحقّ أنا دار الدنيا، أنا لعب ولهو، وأن الآخرة هي دار القرار، (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ)/ (القصص:60).. أفيقوا يا راحلين.. لا أمان مع الفاني.. لا خلود مع الزائل..