المَرأَةُ ونَهضَةُ المُجتَمَعَاتِ

دلال كمال العكيليّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 224

الإنسان هو ذلك الكائن الأعظم في الوجود، إذ منحه الله تعالى العقل والملكات المختلفة لإعمار الكون، وقد أمر الله تعالى الناس أن يتعاونوا ويتقن كلّ منهم دوره، ومن هنا قد برزت أدوارٌ للجنسين تتوافق مع ما آتاهما الله تعالى من قدراتٍ ومواهب تختلف وتتفاوت فيما بينهم. للمرأة دور محوري في نهضة الأمم ورقيّها وتطوّرها، وذلك بسبب نشاطها الكبير في أيّ عمل تقوم به، ولأنّها تمتلك القدرة على تنشئة جيل واعد على القِيم العليا، ولا نغالي إذا قلنا إنّ المجتمع يكتمل ويتطوّر وينمو بالمرأة، لكونها الحاضنة والمربية. عُدّت التربية أولى الأدوار التي أنيطت بالمرأة، وأخذتها على عاتقها وأدّتها بأبهى الصور، وأفضل النساء مَن تقدّم الرعاية والحنوّ لكلّ مَن حولها، وبخاصّة لأبنائها، فالمرأة هي الأمّ التي يحتاج إليها الأولاد لاكتساب التربية الحسنة، وتعلُّم المهارات، وبلا شكّ أنّ للأب أهمّيته، فالاثنان يكملّان بعضهما بعضًا لتنشئة جيل المستقبل، ولا يمكن الاستغناء عن أيّ منهما. زاولت المرأة الكثير من الأعمال وأدّتها على أحسن ما يكون، وبذلت قصارى جهدها لتكون السند لزوجها وأولادها، وأحالت دارها واحة غنّاء يسرّ كلّ مَن يفدها، وبالتنظيم والترتيب والتفاهم بين الأزواج تعيش العائلة بسلام وطمأنينة، وبذا يكون الجيل المتخرّج من تلك الأسرة سويًا ونافعًا، وهو المستقبل المشرق للمجتمع. لرياض الزهراء (عليها السلام) جولة متنوّعة بتنوّع الشريحة التي التقتها من النساء العاملات في مجالات متعدّدة من الأعمال، والسؤال كيف يمكن للمرأة أن تنجح في تنظيم أمور المنزل والعمل، وتغذّي أطفالها بالتربية وبالحبّ والحنان، وتصنع منهم قادة في المستقبل؟ سيّدة المنزل أمّ صفاء/ ربّة بيت: أمّ لأربعة أبناء، عاشت وزوجها متعاونينِ لتكوين أسرة سوية، وبذل كلّ منهما جهدًا لتربية الأولاد ومتابعة احتياجاتهم ودراستهم، حتّى أصبحوا ما هم عليه اليوم، فمنهم المدرّس والأستاذ وغيره، تحدّثت أمّ صفاء عن مسيرة حياتها مبيّنةً: عاشت المرأة العراقية ظروفًا استثنائية، عانت الويلات على مدى عقود ماضية، قاست ضنك العيش ووجدت صعوبة في إدارة أمور المنزل، وهذا حال أغلبنا، إذ كنتُ أمًّا لأربعة أبناء، ومطالبة بتلبية احتياجاتهم، وفي الوقت ذاته كنتُ أعين زوجي في مصاريف البيت عن طريق الخياطة التي كنتُ امتهنها، إلى جانب مسؤوليتي أمام عائلة زوجي ورعايتهم، والقيام بالواجبات الزوجية، ولله الحمد لم أكن أقصّر في أيٍّ منها، بل على العكس كنّا نعيش بهدوء ووئام، وكنتُ أحاول جاهدة تذليل العقبات إن وجدت، وبخاصّة في عهدنا لم تكن هنالك وسائل الراحة مثلما هو اليوم، استطعتُ جني ثمار تلك الحياة عبر أولادي الأربعة، إذ أصبح اليوم كلّ منهم شخصية، وصاحب شهادة وسمعة طيّبة ومثالًا يُحتذى به في المجتمع، أتمنّى من بناتي اليوم الصبر والتكاتف، والعمل على بناء أسرة قوية متسلّحة بالعلم والعمل، متخلّقة بأخلاق آل البيت (عليهم السلام)، منتهجة نهجهم لمواجهة انزلاقات الحياة. الأمّ الطالبة أمّ فاطمة : تزوّجتُ في عمر الـ 22 سنة، وكنتُ حينها طالبة في المرحلة الجامعية الثانية، لم أعش مرفّهة منذ اقتراني بزوجي، فقد كان رجلًا ذا دخل محدود لكنّه حسن الخلق، ملتزم دينيًا، حافظ لحدود الله، عشنا سويًا وذلّلنا العوائق حتى تخرّجتُ من الجامعة وكنتُ حينها قد رُزقت بفاطمة التي جاءت وجاء معها الرزق وتفتّحت الأبواب المؤصدة، وكان زوجي قد حصل على تعيين دائمي، وبعمله بعد الدوام وعملي استطعنا التكاتف لشراء المنزل، وتحسين بعض الأمور المؤجلة، لا جديد في تجربتي فقد مرّت بها أغلب النساء العراقيات، لكن ما أريد قوله إنّ الحياة الزوجية ليست طريقًا معبّدًا دائمًا، فقد نتعثّر ونسقط ولكنّنا ننهض ونستمرّ بالمسير والتقدّم لصناعة جيل المستقبل الواعد، فقوتنا وتكاتفنا اليوم محصلة نجاحنا وثباتنا في الأمس، لا تعيقنا الخلافات عن التقدّم ولا تفسد ودّنا، وحين نواجه المشاكل نحاول الوقوف بوجهها بصلابة وتجاوزها، وتقبّل عيوب الشريك وتفهّم ضغوط الحياة الملقاة على عاتقه، وإعانته عليها لا إثقال كاهله واستنزاف قواه؛ ليكون شعارنا في الحياة: التعاون بتوازن هو سرّ النجاح. المرأة والزراعة أمّ فراس/ مزارعة: أجمل إحساس هو ذلك الذي نعيشه عند حصاد ما زرعناه بأيدينا، عشتُ سنوات عديدة وأنا أربّي المواشي وأزرع المحاصيل المختلفة، إضافةً إلى القيام بواجباتي المنزلية، اعتدتُ الاستيقاظ فجرًا، وبعد الصلاة مباشرةً أقوم بأعمالي المنزلية، وبعدها أرعى المواشي، ومن ثمّ أزور مزرعتي لأجني ثمار ما زرعتُ، ويقوم زوجي ببيعه في السوق، وعلى هذا الحال عشنا سنوات ونحن بأفضل حال، التعاون شعار تلك الحياة التي عشتُها رغم الصعوبات والمتاعب، إلّا أنّ طعم التعاون والحبّ هو ما بقي مستمرًّا وورّثناه لأبنائنا، أقول لبناتي اليوم: إنّ الحياة تحتاج منّا إلى الصبر والتفاني في الحفاظ عليها، والسعي لصناعة السعادة، فالسعادة نحن مصدرها، ومهما واجهتكم مصاعب، فعليكم تجاوزها والوقوف بوجهها لحصاد حياة هانئة وسعيدة. المرأة والتعليم الستّ فاطمة محمّد: زاولتُ التدريس لـ30 سنة، تخرّجت على يديّ دفعات عديدة أسمّيهم أولادي، فأينما أدير وجهي أجد ولدًا من أولادي في منشأة من منشآت الحياة، ذلك مدرّس زميل لي، وهذا طبيب يعالجني، وذلك شرطي أشاهده في الشارع، وغيرهم صاحب محلّ لبيع الخضروات، ومَن هو سائق، وآخر مهندس، شعوري وأنا أشاهد ثمار ذلك العمل لا يوصف، سعادة غامرة وفخر لا يُحدّ، مثلما أنيّ أمّ أقوم بواجباتي في المنزل تجاه أولادي على أتمّ وجه، هذا كلّه بكلّ تأكيد كان معه تعب وصعوبات، ولكن ما جعلني أتجاوز تلك الصعوبات والعقبات هو الإحساس بالمسؤولية التي كانت ملقاة على عاتقي، ورغبتي بالإنجاز وفائدة المجتمع، وهذا ما جعلني أواصل وأتواصل إلى اليوم، لذا بنيّاتي عليكنّ بتحمّل المسؤولية، وتطوير الذات، والعمل على بناء جيل المستقبل بأفضل ما يكون. ما تقدّم هي نماذج من شرائح المجتمع المتنوّعة، ولا نغفل عن أهمّية المِهَن والحِرف الأخرى التي تزاولها المرأة وتؤدّيها على أكمل وجه، إضافةً إلى واجباتها المنزلية وتربية أبنائها ورعايتهم، فهي المثل الأعلى للأسرة والحاضنة لها، هي تلك الأرض الخصبة التي تنمو وتتجذّر فيها البذور، وتغدو أشجارًا مثمرة.