وَافعَلِ الخَيرَ فإِنَّ يَسيرَهُ كَثيرٌ(1)
جعل الله تعالى فعل الخير من صفات المؤمنين والمؤمنات، فمَن يبتغي الإسلام دينًا يحرص على اغتنام فرص عمل الخير في الحياة؛ لما يعلم من فوائدها الجمّة للفرد والمجتمع، ومن هذه الفوائد القرب من الله تعالى؛ مثلما أنّه يُعزّز قِيَم المحبّة والتماسك، وجزاء عمل الخير والمعروف تيسيرها من قبل الله تعالى لمَن يفعلها، وقد ورد في القرآن الكريم وروايات المعصومين (عليهم السلام) الكثير ممّا يحثّ على فعل الخير وإن كان يسيرًا، وتُبيّن فضله، وما يترتّب عليه من جزاءٍ عظيم، وخيرٍ كثير. وفي هذه الجلسة سنعرف بعضًا من فوائده: - زينب: أعذروني فلن أشارك معكم. - أمّ عليّ: ولكن لماذا حبيبتي، كنتِ متحمّسة جدًا؟ - زينب: مشاركتي ضئيلة، ولا أهمّية لها، وربّما وضعتُ نفسي في موقف السخرية. - أمّ زهراء: ابنتي الغالية، مَن الذي يحدّد أهمّية العمل؟ أليس مقياس أيّ عمل نقوم به هو رضا الله تعالى؟ أليس هو مَن يجزي بالحسنات فيضاعفها أضعافًا كثيرة؛ رحمةً منه وكرمًا. - أمّ حسين: لعلّكِ قرأتِ قوله جلَّ وعلا: مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا.. (الأنعام: 160). - أمّ جعفر: نعم، أخواتي وبناتي الغاليات، من فضله ورأفته بعباده جعل فعل الخير سببًا للفلاح، حيث يقول تبارك وتعالى: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الحجّ: 77)، ولم يشترط أن تكون هذه الأعمال صغيرة أو كبيرة. - أمّ عليّ: يحضرني قولٌ للإمام عليّ (عليه السلام) فيه الإجابة عمّا تتساءلين عنه: "افْعَلُوا الْخَيْرَ وَلاَ تَحْقِّرُوا مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّ صَغِيرَهُ كَبِيرٌ وَقَلِيلَهُ كَثِيرٌ، وَلا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: إِنَّ أَحَدًا أَوْلَى بِفِعْلِ الْخَيْرِ مِنّي فَيَكُونَ وَاللهِ كَذلِكَ، إِنَّ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ أَهْلًا، فَمَهْمَا تَرَكْتُمُوهُ مِنْهُمَا كَفَاكُمُوهُ أَهْلُهُ"(1). فيجدر بنا عدم ترك فعل الخير مهما كان قليلًا؛ فعسى أن نكون نحن من أهله فنصيب خير الدنيا والآخرة. - أمّ زهراء: وكم في كتاب الله الكريم نجد آيات كريمة واضحة تحثّ على استباق عمل الخير: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ (المائدة: 48)، وقوله تعالى: وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (فاطر: 32). - أمّ حسين: بل الله تعالى يثني على المسارعين في الخيرات، ويصفهم بالصالحين: وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (آل عمران: 114). - أمّ حسين: سأحكي قصّة رمزية قصيرة، ولكن لها معنىً عميقًا، يُقال: إنّ حجرًا صغيرًا كان مرصوصًا في سدّ على أحد الأنهار، وكان يائسًا من وجوده، محتقرًا لحاله، دائمًا يقول: ما أنا وما أهمّيتي؟ لستُ حجرًا كريمًا لتصنع منّي قلادة؟ ولا أنا بتراب فتزرع في داخلي نبتة، لأتركْ مكاني وألقي بنفسي في النهر.. فما أن فعل ذلك حتى انهار السدّ، وغرقت المدينة التي بجوار السدّ، فكذلك الأعمال، مهما صغرت فإنّ لها أهمّيتها. - أمّ جعفر: كذلك لا ينبغي علينا أن نستهين بمَن أسدى إلينا المعروف، بل واجب علينا شكره، وهذا ما أوصانا به إمامنا السجّاد (عليه السلام) في رسالة الحقوق: "وَأَمّا حَقُّ ذِي الْمَعْرُوفِ عَلَيْكَ فَأَنْ تَشْكُرَهُ، وَتَذْكُرَ مَعْرُوفَهُ، وَتَنْشُرَ لَهُ الْمَقَالَةَ الْحَسَنَةَ، وَتُخْلِصَ لَهُ الدّعَاءَ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللّهِ سُبْحَانَهُ، فَإِنّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ كُنْتَ قَدْ شَكَرْتَهُ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، ثُمّ إِنْ أَمْكَنَ مُكَافَأَتُهُ بِالْفِعْلِ كَافَأْتَهُ وَإِلّا كُنْتَ مُرْصِدًا لَهُ مُوَطّنًا نَفْسَكَ عَلَيْهَا"(2). - أمّ حسين: وهذه من الأخلاق الفاضلة التي لها الأثر الطيّب في ترابط أفراد المجتمع، ونشر المحبّة والإحسان، والاحترام المتبادل. - أمّ زهراء: ما أعظم ديننا! وما أسمى أخلاق أهل البيت الأطهار (عليهم السلام)! نستضيء بنورهم، ونهتدي بنهجهم القويم الذي يوصلنا إلى خير الدنيا والآخرة. - أمّ عليّ: وما أسعدنا إذ أكرمنا الله تعالى بمعرفتهم، وبحبّهم، وولايتهم (عليهم السلام). - زينب: إن شاء الله لا أكون مثل الحجر الصغير، بل اتّبع قدوتي، وامتثل لقولهم, وأسير على دربهم، فهو درب السعادة. - وبنبرات التشجيع والدعاء من الثلّة الطيّبة: بوركتِ أيّتها البنت الصالحة، وحماكِ الله، على بركة الله نكمل العمل. الجميع: على الله توكّلنا. ................................. (1) عيون الحكم والمواعظ: ج1، ص251. (2) وسائل الشيعة: ج13، ص15. (3) مستدرك الوسائل: ج11، ص145.