سُؤَالٌ

زهراء خضر الموسويّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 205

عودة بالذاكرة إلى المرحلة الثالثة في أروقة الجامعة، سألني أستاذي: أين تجدينَ نفسكِ في العشرين عامًا القادمة؟ حسنًا، لم أفكّر كثيرًا لأجيب. فأجبتُ: أجد نفسي امرأة كبيرة تجلس وحيدةً على كرسيّها، تقرأ كتابًا من كتبها المتراكمة، قرب نافذة تطلّ على حديقة أسهمتُ في الاعتناء بها، حيث تدخل أشعة الشمس برفق لكي لا تزعج خلوتي هذه، أطفالي قد سارت بهم الحياة ليكتبوا قصّة حياتهم بعيدًا عنّي... امرأة حقّقت كلّ ما حلمت به، لتصل إلى المحطّة الأخيرة، إلى الوحدة، الوحدة كلمة ثقيلة على مسامع امرأة كبرت بين أصوات أطفالها وطلباتهم ومتطلّبات الحياة. حسنًا، لأعترف: أكبر مخاوفي أن أموت عجوزًا كبيرة وحيدة يتعاجز الجميع عن العناية بها. توقّفتُ كثيرًا عند قانون الجذب الفكري، وتمعّنتُ في هذا القانون، وأنّ أفكارنا الحالية هي التي تصنع مستقبلنا، بالأحرى يقول القانون: إنّ قوة أفكار المرء لها خاصية جذب كبيرة جدًا، فكلّما فكّرتَ في أشياء أو مواقف سلبية اجتذبتها إليكَ، وكلّما فكّرتَ أو حلمتَ أو تمنيّتَ وتخيّلتَ كلّ شيء جميل وجيد ورائع تريد أن تصبح عليه أو تقتنيه في حياتكَ، فإنّ قوة هذه الأفكار الصادرة من العقل البشري تجتذب إليها كلّ ما يتمنّاه المرء. تنهّدتُ قليلًا، وتمنّيتُ أن لا يعمل القانون مع فكرتي هذه، فهي حقًا مخيفة. أيعني هذا أنّي أخاف من الوحدة؟ أعتقد أنّي أفكّر في هذا الأمر منذ صغري، فلقد مرّت من أمام ناظري نساء كُثر قد بلغنَ الكِبر لدرجة أصبحن عاجزات لا يستطعنَ التحرّك من السرير، وكيف أنّ جميع أولادهنّ تململوا من العناية، كأنّهنّ لسنَ تلك الأمّهات اللائي ضحكنَ ولعبنَ وقصصنَ لهم العديد من القصص، غريبة هي الحياة! كيف نستطيع أن نزرع هذا الإحساس في أقرب الناس لنا، لمجرّد أنّهم أصبحوا أضعف منّا قليلًا. عندما رحلت تلك المرأة الكبيرة لم أرَ حزنًا شديدًا في عيون الحضور، رأيتُ نوعًا من الارتياح بين دموع الاعتياد على ثقافة المجتمع. لم أرَ الأسى نفسه الذي رأيتُه في وجوههم يوم موت رجل كبير، إلّا أنّه لم يبلغ من العمر عتيًا، مات وهو بصحّته نوعًا ما. أقرأ رسالة لم يصل وقتها إلى الآن، وهي أنّي سأحزن إن رأيتُ أنّ ابنتي تضيّع نزهات مع صديقاتها، أو جلسةً عائلية لوضع أولويات الحياة مع زوجها أو ربّما جلسةً مع صديقاتها من أجل أن تعتني بي، أن تعتني بامرأة عجوزٍ كبيرة، وما يلحقها من إعادة الجملة مائة مرّة لأننّي لا أسمع، وأن أجلس على طاولة الطعام أنتظر مَن يضع الأطباق التي تتناسب مع أمراضي المزمنة ولا أساعدها في حمل أطباقي لأننّي لم أعد قادرة. مهلاً، جذبني قانون الجذب الفكري إلى تلك الطفلة التي هي (أنا)، حيث كنتُ أتسابق في وضع الوسادة خلف ظهر جدّتي، وأجلس بقربها من غير ضجر، أمسك بيدها وخاتمها يتغلغل بين تلك الخطوط، سأنتظر أحفادي، ولن أخاف من الأيام، ففي سكّة الأيام دائمًا وقفات، وسويًا نصل إلى: "مَن زرع حصد".