رياض الزهراء العدد 176 لحياة أفضل
وَالدَيَّ... إنّي أَتَّبِعُ خُطواتِكُمَا
لعلّ اللحظات الأولى التي يبصر بها الإنسان النور، تكون المحطّة الأولى وهي الأسرة، إذ تؤثر في تكوين شخصيته. ومن هنا جاءت أهمّية الوالدين في مراعاة وجود نظام أخلاقي ديني، بحيث يكون جوّ البيت العام دينيًا، وهذا الجوّ كفيل بتنشئة الطفل تنشئةً روحيةً سليمةً. وعن أبي بَصِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبدِ الله (عَلَيهِ السَّلاَمُ) عَن قَولِ الله عَزَّ وَ جَلَّ: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نارًا وَقُودُهَا النّٰاسُ وَالْحِجارَةُ [قُلتُ]:هَذِهِ نَفسِي أَقِيهَا، فَكَيفَ أَقِي أَهلِي؟ قَالَ: «تَأْمُرُهُمْ بِمَا أَمَرَ الله بِهِ، وَتَنهَاهُم عَمَّا نَهَاهُمُ الله عَنهُ، فَإِنْ أَطَاعُوكَ كُنتَ قَد وَقَيْتَهُم، وَإِنْ عَصَوكَ كُنتَ قَد قَضَيْتَ مَا عَلَيكَ»(1). ويرى علماء النفس أنّ هناك عاملين أساسيين يؤثرانِ في تربية الطفل، وهما الوراثة والبيئة، وجوّ الأسرة العام هو البيئة والوسط الأول الذي ينشأ فيه الإنسان، وهكذا فإنّ على الوالدين إيجاد الأرضية المناسبة والشرائط اللازمة للرشد باتجاه الكمال. ولكن ما الخطوات المهمّة من أجل الوصول إلى الجوّ الأسري الذي يقود الطفل إلى الكمال في حياته؟ إنّ من أهمّ الخطوات هو اهتمام الوالدين بمراقبة النفس على الدوام قولًا وفعلًا، فالطفل يتأثر بنحو كبير جدًا بسلوكيات والديه، فسلوكهما كفيل بتشكيل الجوّ الأسري العامّ للتربية السليمة. فالأب الذي يستيقظ كلّ يوم لأداء صلاة الفجر هو بحدّ ذاته خطوة تجعل الطفل يواظب على الاستيقاظ لصلاة الفجر طوعًا لا جبرًا، فعلى الوالدين الاستفادة من الحركة التي تسبق صلاة الفجر، من إنارة أضواء الغرفة، فهو يشجّع الطفل على الاستيقاظ باكرًا مع والديه وتقليدهما، فلا شيء في التربية يكون عن طريق الإجبار، وأفضل تربية ما كانت عن طريق تقليد القدوة الصالحة، والوالدان خير قدوة بالنسبة إلى الطفل. وأمّا بالنسبة إلى الكلام: فعلى الوالدين أن يكونا دقيقين في الكلمة التي تخرج منهما، وبخاصّة الكلمات التي تخرج أمام الطفل؛ لما لها من أثر بالغ في نشأته، فلنتخيّل مثلًا أبًا يبدأ طعامه في كلّ مرّة بقول: (بسم الله)، ويكرّره كلّ مرّة أمام الطفل، فما أعظم تأثير ذلك في الطفل!! أو عندما يرى الطفل والديه في حالة الغضب وهما لا يتلفّظان إلّا بقول: (حسبي الله ونعم الوكيل) أو (لا حول ولا قوة إلّا بالله) بدلًا من تلفّظ كلمات سيّئة، أو تدلّ على الجزع، أو عدم الرضا بقضاء الله، فهذا السلوك وحده مدرسة أخلاقية للطفل. فعن مسؤولية الآباء يقول الإمام السجّاد (عليه السلام): "...وأنّكَ مسؤول عمّا وليتَه به من حسن الأدب والدلالة على ربّه (عزّ وجلّ)، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل مَن يعلم أنّه مُثاب على الإحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه"(2). ....................................... (1) البرهان في تفسير القرآن: ج5، ص424. (2) شرح رسالة الحقوق: ص581.