رياض الزهراء العدد 176 لحياة أفضل
هَمساتٌ عَلى طَرِيقِ الحُبِّ
حينما تكتوي القلوب بنار البُعد عن الله تعالى ويؤلمها الهجران، وحينما تبتعد الأرواح عن رحاب الرحمن، فتتخبّط عمرًا في أودية الضلال والضياع والخسران، هنا تستغيث الروح بعد أن تقاسي لوعة الحرمان: لِمَ لا تعود أيّها الإنسان إلى رحاب المنّان؟ لِمَ لا تسعى لتتنسّم عبير القرب من الديّان؟ قم وانفض عنكَ غبار الخضوع للشيطان، واسعَ لإحياء روحكَ التي أجدبت من النور والإيمان، اذهب إلى ربّكَ ومربّيكَ، فهو بلا شكّ سيحتويكَ، ويقرّبكَ ويدنيكَ، ويعطيكَ حتّى يرضيكَ، فلا تتردّد في سلوك طريق الحبّ، واجعل من انكسار قلبكَ في محضره نورًا يضيء لكَ الدرب، واعلم أنّ نهايته تستحقّ الجهد والتعب. تعلّق بربّكَ كتعلّق الطفل الصغير بأمّه، فهو لا يرى غيرها، ولا يلجأ إلى سواها. خفه واخشه كأنّكَ تراه، استحِ منه عند تقصيركَ في عبادته وتقواه، ولا تيأس مهما كان حالكَ من نيل محبّته ورضاه. تجنّب الغفلة واغتنم المهلة، وتذكّر أنّ الآخرة باقية والدنيا زائلة، فحافظ على سلامة قلبكَ واحذر الغلّ والحقد والغرور والحسد وغيرها من المهلكات القاتلة، التي تسلبكَ الاطمئنان وترديكَ في العاجلة قبل الآجلة. اعرفه واقترب منه، فكلّما ازدادت المعرفة عظمت المحبّة والإجلال، وبان أثر ذلك في الأقوال والأعمال، التي تكشف عن رضا الربّ المتعال، فقد ورد في الروايات أنّ النبيّ موسى (عليه السلام) قال: "يا ربّ أخبرني عن آية رضاكَ عن عبدكَ، فأوحى الله تعالى إليه: إذا رأيتني اُهيّئ عبدي لطاعتي، وأصرفه عن معصيتي فذلك آية رضاي"(1). سَخّر دقائق يومكَ ونشاطاتكَ لنيل رضاه، واجعل كلّ حركتكَ منذ أول نهاركَ حتّى منتهاه لله جلّ في علاه، تمامًا مثلما بيّن القرآن حكايةً عمّن اجتباه الله: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام: 162). تخيّل أنّكَ في مبنىً يتأجّج بالنار، ولا سبيل أمامكَ إلّا الفرار وطلب النجدة من القوي القهّار، لذا اجعل هذه الآية ترنّ في مسمعكَ ليل نهار: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (الذاريات: 50)، واعلم أنّه يرفق بالفارّين إليه، الهاربين ممّا عداه، الطالبين هداه، يختصر لهم المسافات، ويهوّن عليهم الصعاب والتحدّيات، ويدخلهم في درعه الحصينة التي يأمن مَن كان فيها من شرّ العثرات. لا تنتظر أن تحدث لكَ معجزة لتنتشلكَ من واقعكَ، بدون أن تبذل جهدكَ وتقوم بدوركَ، فطريق الحبّ الإلهي يحتاج إلى عزم وإرادة وطول سعي، وهو أفضل الزاد لمَن أراد، مثلما بيّن لنا ذلك سادة العباد وأئمة الرشاد (عليهم السلام)، فمن دعاء الإمام الكاظم (عليه السلام): "وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَفْضَلَ زادِ الرَّاحِلِ إِلَيْكَ عَزْمُ إِرادَةٍ يَخْتارُكَ بِها، وَقَدْ ناجاكَ بِعَزْمِ الإرادَةِ قَلْبِي..."(2). ليكن زادكَ في طريقكَ المعرفة أولًا؛ لأنّ السائر على غير هدى، لا تزيده كثرة السير إلّا بعدًا، والتقوى ثانيًا؛ فهي زاد الراحلين إليه تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (البقرة: 197). ......................................... (1) بحار الأنوار: ج67، ص26. (2) مفاتيح الجنان: ص220.