رياض الزهراء العدد 176 لحياة أفضل
المَسؤُولِيَّةُ الكُبرَى
اقتضت الحكمة الربَّانية أن ينهض الوالدان بمسؤولية عظيمة، وواجبات مقدَّسة أوجدها الخالق لرعاية الطفل منذ نعومة أظفاره، فالوالدان لديهم جوهرة ثمينة بين أيديهم يجب عليهم أن يبذلوا قصارى جهدهم في المحافظة عليها ورعايتها؛ فهو كالنبتة الصغيرة التي تحتاج إلى عناية خاصّة، إذ الطفل الصغير يرى ويرسم في ذهنه أول صور الحياة عن طريق أمّه وأبيه وطرق معيشتهما في الأسرة الأولى للطفل، وتشكّل البيئة التي يعيش فيها تأثيرًا كبيرًا في سلوكه، وقد أمر الله تعالى في كتابه الكريم بتربية الأبناء، وحمَّل الآباء المسؤولية مثلما جاء في سورة التحريم في الآية (61) من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا...). وقد ورد عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ"(1). وعن الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) أنّه قال: "عَلِّمُوا أَولاَدَكُم وَأَهلِيكُمُ الْخَيرَ وَأَدِّبُوهُم"(2). فلا بّد من بذل الجهد والعمل الدؤوب في إصلاح الأولاد، وتصحيح أخطائهم على الدوام، وتعويدهم الخير، وهذا سبيل الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام)، حيث دعا النبيّ نوح (عليه السلام) ابنه إلى الإيمان، ووصّى الخليل إبراهيم (عليه السلام) بنيه بعبادة الله وحده. إنَّ أكثر الأبناء الذين غرقوا في مستنقعات الفساد إنَّما كان أصل فسادهم من قِبل الآباء، وإهمالهم إياهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا، ولم ينفع الأبناء آباءهم كبارًا. التربية حقُّ الابن على والديه، وليست هبة أو هدية، فرضها الإسلام حتى ينظّم ويُنشئ أسرة صالحة، تقرّر الواجبات بين الأفراد، وتؤسّس أصول المحبّة والتعاون فيما بينهم، والزوجة الصالحة هي خير مَن يعين الزوج على تربية أبنائهما؛ لذلك يجب على الشاب أن يحسن اختيار زوجته، وأمّ أبنائه مستقبلًا، وأن يتعاون الأب والأمّ على حماية قلعتهم (الأسرة) وتأمينها، وأن تكون الحراسة مشدّدة، والاهتمام كبير بتكوين الأسرة المسلمة الواعية لتنشئة جيل مسلم، فالولد الذي يتربّى على الإسلام لا يجلب المشاكل لأبويه؛ لأنَّ التربية هنا تمثّل راحةً لأبويه من شكاوى المعلّمين وممّن يخالط في المجتمع، وقد أشارت الأبحاث إلى أنَّ سلوك الأبوين يؤثّر في الطفل أكثر من الكلام؛ لأنّ الأطفال تبدأ عندهم قوة الملاحظة منذ صغر سنّهم، ويتعلّمون ويكتسبون سلوكيات آبائهم، وعندما تكون هناك أسوة صالحة في حياة الطفل فسترفع من شعور الطفل بالثقة بالنفس، ومعرفة كيفية مواجهة الحياة في المستقبل عن طريق القدوة الحسنة التي اتبعها، ولاحظ سلوكها منذ الصغر؛ لذا ينبغي على الوالدين الحذر في تصرّفاتهم مع أولادهم؛ لبناء حياة وأسرة فضلى ومطمئنّة، ومن الله العون والتوفيق. ............................................ (1) ميزان الحكمة: ج٢، ص١٢١٢. (2) كنز العمّال: ج2، ص539.