عَصرُ الانشِغَالِ

ليلى العانيّ/ بغداد
عدد المشاهدات : 264

لا تزور أقاربكَ وأصدقاءكَ... فأنتَ مشغول! لا تتّصل بهم... فأنتَ مشغول! لا تقرأ الكتاب الذي تريد قراءته... فأنتَ مشغول! لا تمارس الرياضة... لأنّكَ مشغول! لا تتناول طعامكَ بانتظام...لأنّكَ مشغول! لا تذهب إلى الطبيب... فأنتَ مشغول! لا تتعبّد... فأنتَ مشغول! تؤجّل معظم تفاصيل حياتكَ، لا تعتني بنفسكَ أو عائلتكَ، تنسى ذكر الله لأنّكَ مشغول. فهل أنتَ مشغول فعلًا؟! الجميع يردّد العبارة نفسها: "الوقت يجري سريعًا"، "أين هو الوقت للقيام بكذا وكذا؟". وهم بهذا يبنون حاجزًا ضدّ أسباب جلب الخير لهم، مستبعدين أن يكون هناك أيّة فرصة للسعادة أو الإنجاز والتطوّر، وأنّ الخير مقسوم لغيرهم الذين لديهم الكثير من الوقت. لا يمكن أن تذكر متى كانت المرّة الأولى التي ترفض فيها شيئًا لأنّكَ مشغول، لأنّها أصبحت حجّتكَ الأفضل حين لا يكون لديكَ حجّة للاعتذار عن القيام بما لا ترغب به، لكنّكَ مع الوقت صدّقتَ هذه الحجّة، وأصبحت الأشياء البسيطة تأخذ منكَ وقتًا طويلًا، وأنتَ ترى أنّ منشور الـ(فيس بوك) الذي تخطّط لنشره هو أحد المهامّ التي قد تعلن انشغالكَ بسببه. المشكلة في كلمة "مشغول" أنّها قد تعني الكثير ولا شيء في الآن ذاته، والأمر هذا لا يشكّل خطرًا على فرصكَ الحياتية الجديدة وأسباب تطوّركَ، ولا على علاقاتكَ ومصادر بهجتكَ فحسب، بل يؤثر مباشرة في صحّتكَ الجسدية والنفسية، فإنّ صدّق عقلكَ أنّكَ مشغول، فهو سيرمي الفعّاليات الضرورية لحماية جسدكَ وصيانته في نهاية قائمة المهامّ، مثلما أنّه سيجعل عقلكَ متأهّبًا باستمرار بدون فرصة للراحة، ممّا يؤدّي إلى انهياره السريع، وشعور بعدم الحيلة أو القدرة على تصحيح مسار الحياة. لذا أرجوكَ لا تقعد على رصيف حياتكَ متفرّجًا، لا تسمح لذلك أن يحدث، لديكَ وقت، أنتَ بحاجة إلى تنظيمه بعزم وإصرار، الدقائق الأولى من النهار، الدقائق الأخيرة قبل النوم، ساعات الانتظار في العيادة، في الطريق إلى العمل، الدقائق التي تصرفها في تصفّح وسائل التواصل الاجتماعي، وأوقات قيامكَ بالأعمال الروتينية اليومية، بإمكانكَ دائمًا أن تستمع إلى كتاب، وأن تذكر الله، وأن تخطّط لنهاية الأسبوع، لا تدع الوقت يصرعكَ، افهمه، كن صديقه، ودعه يخبركَ بأسراره.