رياض الزهراء العدد 176 منكم وإليكم
الانسِجَامُ بينَ الجِهَادِ وَالتَّكوِينِ
تميّزت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بشخصية لا يمكن تهميشها وغضّ النظر عنها في المجتمع الإسلامي؛ فقد أسّست مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) شخصية ذات أبعاد اجتماعية وسياسية، علمًا أنّ المرأة لم تحظَ في بدايات عمر المجتمع الإسلامي بمكانة ودور بارز ذي أثر في الحياة الاجتماعية، فكيف بها في الحياة السياسية؟ إلّا أنّ السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بفضل الأجواء التربوية التي حظيت بها من قِبل النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) وبيان فضائلها ومكانتها وتعظيم شأنها، إضافة إلى سيرتها التي أراد بها النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) أن تكون قاعدة أساسية مهمّة للمرأة ومجتمعها. لتظهر شخصية السيّدة الزهراء (عليها السلام) السياسية بشكل جلي وواضح في مسألة فدك، حيث تعدّ تلك المحطّة من المحطّات المهمّة في حياة السيّدة الزهراء (عليها السلام)، وحياة المرأة المسلمة في مجتمعها، فبعد أن نحلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابنته لكونها فيئًا لم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب نزلت الآية: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ.. (الإسراء: 26)، وتحت مبرّرات وعناوين كثيرة من أهمّها ما نُسِب إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) ممّا احتجّ به أبو بكر أنّه سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث"(1). فجُمِعت ممتلكات النبيّ (صلى الله عليه وآله) وتركاته كافّة بما فيها فدك، ووُضِعت تحت تصرّف الحكومة، إلّا أنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) لم تستسلم، وصرّحت بأنّ فدكًا من حقّها الشرعي، وسعت للحصول عليها، فبدأت بخطبتها في تبيان حقّها، ولمّا لم تبقَ لهم أيّ ذريعة، وبيّنت الحقّ للجميع حتّى أجابها زعيم القوم: "صدقَ الله وصدقَ رسوله وصدقت ابنته، أنتِ معدن الحكمة، وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجّة، لا أبعد صوابكِ، ولا أنكر خطابكِ، هؤلاء المسلمون بيني وبينكِ قلّدوني ما تقلّدتُ، وباتفاق منهم أخذتُ ما أخذتُ، غير مكابر ولا مستبدّ ولا مستأثر، وهم بذلك شهود"(2). رسمت السيّدة الزهراء (عليها السلام) في فدك منهجًا للمرأة تتعلّم عبره كيف يمكن لها أن تحافظ على أعلى درجات العفّة، والمحافظة على كينونتها وهي في قلب الحياة السياسية؛ لتغدو شخصًا مؤثرًا بقراراته وعداواته ومصالحاته، وكلّ ذلك وهي في منزلها، فمنهج السيّدة الزهراء (عليها السلام) في السياسة والجهاد لا يزال حيًا، فليس المطلوب أن تكون المرأة بشخصها تشكّل القضية، بل الخطّ السياسي والجهادي الذي رسمته في فدك هو المطلوب. .............................................. (1) بحار الأنوار: ج28، ص104. (2) المصدر السابق: ج29، ص232.