الغِيرَةُ

هناء هاشم الجبوريّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 149

الغيرة سلوك اجتماعي، منها المحمود ومنها المذموم، وبعض الغيرة ترفع صاحبها إلى أعلى المستويات، وبعضها يؤدّي به إلى النكسة والخراب والندم، ثمّ الشعور بالذنب، ويقعد صاحبها ملومًا محسورًا. أمّا الغيرة المحمودة فهي أن يغار الإنسان من نجاح شخص آخر، بصفات وتصرفات يتميّز بها عن غيره، فيحاول جاهدًا أن يقوّم نفسه وسلوكه حتّى يستطيع أن ينافسه، فيصبح متميّزًا وناجحًا، بل قد يتفوّق عليه بدون أن يؤذيه بلفظ أو تصرّف، وبذلك تكون الغيرة سببًا في رفع صاحبها إلى أعلى المستويات من دون أن يجرح أو يهدم أو يؤذي أحدًا. ولكن الغيرة قد تتحوّل إلى مرض، وتصبح غير محمودة، وذلك عندما يتوقّف تطوّر الإنسان النفسي والعاطفي عند مرحلة الطفولة، فغريزة التملّك في الطفل قوية إلى درجة كبيرة، ولكن التربية الصحيحة والظروف اﻻجتماعية تعمل على تقليل حبّ التملّك في سلوك الشخص. ويمكن إرجاع حالات الغيرة إلى التفاوت بين الرغبة والواقع والنزعة للتملّك، وهي ليست دائمًا من مستلزمات الحبّ، فالحبّ بين الزوجين وداخل الأسرة يتنافى مع الغيرة، لكن عندما يكون الحبّ تملكيًا تكون الغيرة أشدّ درجة، وأكثر إيلامًا وتعذيبًا، ويمكن أن نُرجع أسباب الغيرة إلى: 1- مرض نفسي تمتدّ جذوره إلى الطفولة، ودوافعه كامنة في أعماق النفس، ويجب إزالتها بالعلاج النفسي، وهذه الغيرة لها عاملان: الأول يعود إلى عهد الطفولة، عندما يكون الطفل متعلّقاً بأمّه ويحبّها حبًّا تملكيًا. العامل الثاني وهو إلصاق صفة ذاتية بشخص آخر، واتهامه بما يختلج في النفس من رغبات ﻻ شعورية آثمة بصفتها وسيلة من وسائل التبرير والدفاع عن النفس، وهنا تكون الغيرة واجهة تخفي وراءها محاولة الزوج إذلال زوجته ومحاربتها، فهو بعذّبها بالغيرة، ويجعلها تيأس من حياتها، وهذا كلّه يسعده لأنّها هي وليس هو صاحب هذه الرغبة التي يجب أن تُحارب. 2- الفروق الكبيرة في المستويات الشكلية والمادية والعلمية بين الزوجين، فقد تتزوّج الفتاة تحت ضغط الأهل، أو ظروف صعبة تعيشها من رجل ليس بينه وبينها تكافؤ أو تقارب في السنّ أو الثقافة، وغيرها من الفروقات الاجتماعية. ونستنتج بأنّ عدم التكافؤ أو سوء الاختيار يهيّء المناخ المناسب لبعث الغيرة وإشعال لهيبها، والمصاب بهذا المرض سواء كان الزوج أو الزوجة ﻻ يدرك أنّه مصاب بهذه الآفة الخطيرة، بل إنّه يعدّ غيرته بعض الأحيان تعبيرًا عن الحبّ، ولكنّها في الحقيقة تعبّر عن رغبة أنانية في التملّك، إنّ الغيرة تدفع الكثير من الأزواج إلى ارتكاب حماقات قد تقضي على الحياة الزوجية. الغيرة ليست من الخلافات مستحيلة الحلّ، بل يمكن علاجها بقليل من الثقة بالنفس والحبّ والابتعاد عن كلّ ما يثير الشكوك، وبالصبر والإرادة والتحلّي بالأمل نستطيع أن نقضي على آفة الغيرة.