تَأثيرُ الأَخلاقِ الفَاضِلَةِ في الإِصلاحِ والتّغييرِ

جنان عبد الحسين الهلاليّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 254

تعدّ الأخلاق الحسنة من أساسيات بقاء الأمم، فالأخلاق هي عماد بناء الشعوب، وهي التي تَقِيها من الانحرافات، وتعصمها من الفساد والانزلاق في وحل التخلّف الثقافي والحضاري، والأخلاق الفاضلة تعدّ سببًا في حفظ المجتمعات والأمم، ودوام مجدها وعزّتها، بينما يعدّ الانحلال الأخلاقي سببًا في زوال المجتمعات وانحلالها، وتلاشي أثرها، وقد حثّت على الأخلاق جميع الأديان، ونادى بها المصلحون؛ لما لها من أهمّية بالغة التأثير في الفرد، ثمّ في المجتمع. وتتعدّى أهميّة الأخلاق الحَسَنة للفرد لتشمل المجتمع بأسره، إذ إنّ السلوك الفاضل المُهذّب يؤثّر تأثيرًا إيجابيًّا في الإنسان نفسه، وعلى مَن يتعاطى معه ويتلقّى منه بحسب درجة التهذيب والاستعداد، ولذلك نجد القرآن الكريم يربط الأخلاق بالعقيدة ربطًا قويًّا؛ لأنَّ الإيمان ليس مشاعر مكنونةً في داخل الضّمير فحسب؛ إنَّما هو عملٌ ظاهرٌ يعكس السلوك العملي للفرد، وظهور أثر الإيمان في أخلاقه وتصرّفاته السوية في المجتمع، وحين نرى عكس ذلك نتساءل: أين الإيمان إذًا؟ وما قيمته إذا لم يتحوّل إلى سلوكٍ؟! فالأخلاق الحسنة والسلوكيّات المُهذّبة هي أشبه بالعطر الذي تفوح رائحته الزكية فيما حوله لا محالة، ممّا يؤدّي إلى انبساط مَن يشمّه واستحسانه وانشراحه. ومَن يُعاشر الإنسانَ المُهذّب نفسًا وسلوكًا ووعيًا، فإنّه سيجد شعورًا باللذّة والثقة والتعامل الفاعل والهادف معه، وذلك ما يعود بالنفع على المرء ذاته، ويمنحه مزيدًا من الثمرات والقدرات على تخطّي العقبات في امتحانات الحياة ومجرياتها، وللأخلاق دور كبير في تغيّر الواقع الحالي إلى العادات الجيدة؛ لذلك قال الرسول (صلّى الله عليه وآله): "إنّما بُعِثتُ لأتمّم حُسنَ الأخلاق"(1)، فبهذه الكلمات حدّد (صلى الله عليه وآله) الغاية من بعثته، إنّه يريد أن يتمّم مكارم الأخلاق في نفوس أمته والناس أجمعين، ويريد للبشرية أن تتعامل بقانون الخُلُق الحَسَن الذي ليس فوقه قانون، فقد تعرّضت عدّة أمم سابقة لسخط الله تعالى، وحلّ عليها عذابه بسبب ما كانت عليه من سُوء الخُلُق، وشاهد ذلك في القرآن الكريم قول الله تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (الإسراء: 16)، حيث إنّ الدين - الذي يرجع أصله إلى الوحي - اختصر على الإنسانية مسافات طويلة، كان عليها أن تقطعها قبل أن تكتشف - بالعقل والحكمة المتراكمة - المبادئ العامّة للنظام الأخلاقي، فسُوء الأخلاق مؤذِن بخراب المجتمع ودماره وانهيار كيانه، فإذا ضعف الالتزام الخُلُقي بين أفراد المجتمع، بدأت المتاعب والاضطرابات السلوكية، وبدأ الشكّ بالقِيَم والثقافة المحلية كذلك، حتّى يصبح تحقيق الذات وحيازة الاعتراف الاجتماعي متعارضينِ مع احترام القواعد الأخلاقية السائدة، وعندها يكون تأثير القِيم والضوابط الاجتماعية قد ضعف كثيرًا. لذا كان للأخلاق والقيم أهمّية كبيرة في تحقيق نوع من الاستقرار الاجتماعي، واحترام القواعد الأخلاقية السائدة في المجتمع. إنّ التحلّي بالأخلاق الحسنة والبُعد عن أفعال الشرّ والآثام، يؤدّيان بالمسلم إلى تحقيق الكثير من الأهداف النبيلة، منها سعادة النفس ورضاء الضمير، وأنّها ترفع من شأن صاحبها وتشيع الألفة والمحبّة بين أفراد المجتمع المسلم. ..................................... (1) ميزان الحكمة: ج4، ص333.