رياض الزهراء العدد 176 أروقة جامعية
التَّشافِي بِالتَّدوينِ
أن تكتُب لا حُزنًا ولا فرحًا، لا حلمًا ولا بؤسًا، لا باحثًا عن صُحبةٍ ولا مُستغنيًا، لن تكتب لأجل شيء سوى أن تُشفى، تكتب لتبدأ رحلة من العلاج طويلة الأمد، علاج يتناسب طرديًا مع مقدار ما أنتَ فيه، ومع كمّ الخزين الداخلي الذي تراكم في ذاتكَ يومًا بعد يوم. التداوي بالكلمات: قرأتُ مقالاتٍ لكُتّاب كثر، يتحدّثون عن علاقتهم مع الكتابة، لم يُبالغ أحدٌ منهم في وصفه لهذه العلاقة مهما حاول الإسهاب والتعمّق في الوصف، كلّهم على حقّ؛ فهم من موقعهم بصفتهم كتّابًا يعرفون الدواء المناسب لأرواحهم، ويفهمون ذلك النداء الكوني النابع من أعماقهم، ذاك النداء الخفي الذي يدعوهم إلى بدء رحلة العلاج هذه. قبل ما يُقارب الشهر حلَّ عليّ ذلك النور الإرشادي، أزهرت فكرةٌ في ذاتي تعبّد طريقًا أمامي، صوتٌ قال لي: "اكتُبي"، اكتُبي فحسب، ابدئي على ورقةٍ أو هاتف، دعي أناملكِ تلامس الحروف وانطلقي. لا تفكّري كيف ستبدئين، ما أول كلمة في أول سطر، ما الأخطاء الإملائية والنحوية التي ستسهين عنها، اكتبي فحسب وكلّ شيء سيتحسّن، لا تختنقي ولا تضجري ولا تذرفي دموعكِ، حوّلي كلّ شيء إلى حروف، اجمعيها وستجتمع أجزاء روحكِ المُتعبة. الكتابة هي وسيلة للاستمرار بالمشي بمحاذاة الموت والحياة، لن تنتمي لأيٍّ منهما بشكلٍ تامّ، لن تتنفّسي ولن تختنقي، ستسيرين على خيطٍ رفيعٍ جدًا، وقوعُكِ عنه مرتبِطٌ بضمّةٍ وسكون، خيطٌ يُبقيكِ في اتجاه واحد، هو اتجاهكِ أنتِ. تكتبين لتشعرين بكِ، بأنّكِ لا تزالين على قيد الحياة، لا تزالين تشعرين، وهذه المشاعر يمكنكِ تحويلها إلى كلمات، ستموتين في الوقت الذي تُصبحين فيه عاجزةً عن وصف ما تشعرين به، لا جهل أعظم من جهل المرء بنفسه، حين لا يعرف أين هو من الحياة، ماذا يفعل هنا، وهل نبضُ قلبه تسري فيه الحياة، أم يُبقيه على قيدها مُجبرًا مُكبّلًا بالضياع؟ في الأوقات التي أشتاق إلى نفسي بها، أعود لأكتب، لا أكون صادقة أبدًا مثلما أكون أمام الكلمات، زيّفتُ الكثير من الأمور، تواريتُ خلف حقيقتي في حديثٍ وفعل، لكن لم يحصل أبدًا أن خلوتُ بمُعجم لُغتي وشرعتُ بالادّعاء، كلّ ما أبوح به يكونُ ناصعًا، يخرجُ مُلغَّزًا ومحتارًا، لكنّه من دون شوائب.