نَبضاتُ سَامَرّاءَ المُحَارِبَةِ

زبيدة طارق الكناني/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 161

أعلن الصباح آخر ما تبقّى في عزاء مآذنكِ يا سامرّاء.. ليختنق المساء بغبار الحطام.. متواطئًا مع لوعة الضياع، وقيود العجز.. ليمدّ أذرع التمادي في تشقّقات جدران البيوت.. ويبالغ في التخفّي بين الجحور، وتحت مسامّ الجدّ.. والأرض تحت الأقدام تشتكي الظلم، يأكل أطرافها الحزن.. وتحتسي ألم الغربة، تتساءل: كيف تخيط جراحًا؟ تهيم في سرمدية الآهات، وتصنع فراغًا يشعشع فيه الدمار.. وكيف السبيل إلى إحياء ما مات، وقد مات؟! كيف تجمع شتات الخشوع في جوفها؛ ليعود مكان السجود بعد الخواء.. كيف تجمع ألسنة الصدق من جديد؛ لتعود تراتيل الدعاء تفكّ طلاسم البلاء.. بالأمس كانت صرحًا من العزِّ والإباء.. واليومَ تغدو على الأطلال واقفةً.. قد هزّها الدهر هزّة، فترامى جلمود صبرها فوقه الرفات.. تتحسّر على حالها بعد أن كانت قبلةً للبرايا ومحطّة الرجاء للعباد.. يطيب فيها الدعاء والأذان.. وأطيبُ من ذلك، في روضها تنهال نفحات المعجزات.. واليومَ.. ها هيَ هيكلٌ مهيب يُضفي لهيبًا تلظّى في فؤاد مؤجّجٍ بالحسرات.. تاركةً الدموع للعيون، كانت تشتاق لذّة اللقاء.. آهٍ كم كان مخيفًا حجمُ مواجعنا، وخيبة آمالنا.. وكم كان صراخ الخوف شديدًا.. فجرحنا غائر، تكثّف حوله الدخان.. لكن أرض سامرّاء انفجرت بينبوع الحياة الأبدي.. فتسقي بساتين ورودٍ كانت قد ذبلت شوقًا.. وهيكل القداسة وقف عزاءً واصطبارًا، يرتّل ترانيمهُ علانيةً.. لتعود تزهر فيه الدعوات، وكأنّها تنادي بأرواح عطشى.. تئنّ ظمأً لشربة من معين الجنان.. يا أيّها السائرون، سيروا بخشوع في هيكل الشمس.. هذا.. وطأطئوا الهامات، وارتشفوا من شهد تلك العرصات.. فروضة العسكريّين لا تزال مقيمها الدعاء؛ حتى لا تنطفئ الشمس وتستمرّ الصلاة.. ما تزال أبواب أعتابها مفتّحة على مصراعيها، تستقبل زائريها.. تخبرهم تلك الجروح التي جعلت سامرّاء ثائرة ترفع الهِمَم.. بأنّها لن تقبل أنين الذاكرة، وآهات صفحات التاريخ.. ولا تعرف للهزيمة معنىً، بل تعرف ابتسامة الفخر وعيون المجد.. وأنفاسًا يملؤها النصر بإيمانها الراسخ، وقلوبًا ترفّ لتكبيرات الصباح، وذلك جعل مآذنها تكتسي بحلية البهاء.. من سلالة النور الإلهي.