لذةُ الاكتِشاف_مَعرفةُ الله
كثيراً ما نقرأ ونسمع الحديث الشريف: "مَن عرف نفسه عرف ربّه"(1) وهو حديث مشهور رواه الفريقان من الشيعة والسنة بكثرة في كتبهم، فهي معرفة تفوق المعارف كلّها وتستدعي منّا البحث والخوض في أمرها، فكانت مدار حواريتنا لهذا اليوم مع والدتي لتحدثنا عن هذه المعرفة وأساليب الانشغال بها، قالت: إن المعرفة بالآيات الانفسية انفع من المعرفة بالآيات الآفاقية، فإن معرفة النفس أنفع المعارف، وبها ينال المؤمن الفوز الأكبر، ويُنتهى بها إلى غاية كلّ معرفة وعلم، ويُبتعد بها عن الضلالات والجهالات، قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)/ (فصلت:53) وقال تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)/ (الذاريات:20،21)، فإذا عرف الإنسان نفسه فهو عندئذ لا ينفك عن إصلاح أوصافه وأعماله وإذا نظر إلى آياتها فسوف يعثر على قوى نفسه وأدواتها الروحية والبدنية، وأحوالها الحسنة أو السيئة، وما يُفسدها وما يُصلحها، بخلاف النظر في الآيات الآفاقية، فإن هذا السبيل وإن كان يدعو إلى إصلاح النفس وتطهيرها من رذائل الأخلاق، لكنه ينادي لذلك من مكان بعيد، وإنّ النظر في الآيات الافاقية نظر فكري وعلم حصولي، وهذا العلم الحصولي باقٍ ما دام الإنسان متوجهاً إلى مقدماته غير ذاهل عنها، فمثل هذا العلم قد يزول بزوال الإشراف على أدلته، وتكثر فيه الشبهات، ويثور فيه الاختلاف، وهذا بخلاف العلم النفساني بالنفس وقواها، فهو علم شهوديّ وحضوريّ، وهو من العيان للإنسان، فإذا اشتغل الإنسان بالنظر إلى آيات نفسه وشاهد فقرها إلى ربّها وحاجتها في جميع أطوار وجودها إلى ربّها، فإنه سوف يجد نفسه متعلقة بعظمة الخالق وكبريائه، متصله في وجودها كلّه بما لا يتناهى بهاءً وسناءً وكمالاً وهو الخالق، فعندئذ تكون منقطعة عن كلّ شيء إلّا ربّها المحيط بباطنها وظاهرها وكلّ شيء دونها، سوف ترى أنها دائماً في خلوة مع ربّها وإن كانت في ملأ من الناس، وعند ذلك تنصرف عن كلّ شيء وتتوجه إلى ربّها فلا يحجبها عنه حجاب، وتستتر عنه بستر. عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام له: "إن الله أجل من أن يحتجب عن شيء أو يحتجب عنه شيء"(2)، وهذا هو حق المعرفة بالله (سبحانه وتعالى) الذي قُدّر للإنسان أن يخوض فيه. ........................ (1) ميزان الحكمة – الريشهري، ج3، ص91. (2) ميزان الحكمة – الريشهري، ج6، ص160.