رياض الزهراء العدد 178 أنوار قرآنية
العُروجُ إلى اللّهِ
مثلما أنّ الخيمة لا تستقيم من دون أعمدة فإنّ حياة الفرد لا تستقيم من دون صلاة، فمثلما أنّ السقف يظلّلنا ويحمينا من الأضرار، فكذلك الصلاة تحمينا من منعطفات الحياة، وبها تستقيم حياتنا "إنّ حقيقة الصلاة الارتباط بالله تعالى والتوجّه نحو الحضور في ساحته، وهي الحديث مع الله والنجوى مع مفيض الوجود الأوحد الذي لا نظير له"(١). "إنّ مَن يصلّي فإنّه يقرع باب الحقّ، ومَن كان له عند الله حاجة فعليه أن يطرق بابه، فهي بمنزلة الوفادة على بيت الله، ولا يمكن أن يطرق الإنسان بيت الله ويلحّ عليه، ومن الممكن أن لا يُفتح هذا الباب أمام الإنسان بسبب تلوّثه أو لحكمة إلهية، ولكنّه سيُفتح في النهاية"(٢). فهي مفتاح لباب الرحمة الإلهية يستجلب بها العبد رضا الله، وتؤثر في تصحيح سلوكه، تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر إذ قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ (العنكبوت: ٤٥). وهي تهذّب النفس وتحيي روح العبودية والخضوع والتذلّل في ساحة الخالق، وتزرع فيها السكينة والسعادة والاستقرار النفسي، وتزيل كدورة القلب وتخرجه من مستنقع الذنوب، فقد ورد عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "إنّما مَثَل الصلاة فيكم كمثل السريّ وهو النهر على باب أحدكم يخرج إليه في اليوم والليلة يغتسل منه خمس مرّات، فلم يبقَ الدرن مع الغسل خمس مرّات، ولم تبقَ الذنوب مع الصلاة خمس مرّات"(٣). فهي تعرج بالمصلّي إلى مقام الحقّ ونيل الكمال الروحي، ومهما كان للإنسان أعمال خير وصلاح فلا تُقبل إن كان تاركًا للصلاة، فهي أول عمل يُسأل عنه العبد، فقد رُوي عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "أول ما يُنظر في عمل العبد في يوم القيامة في صلاته، فإن قُبلت نُظر في غيرها وإن لم تُقبل لم يُنظر في عمله بشيء"(٤). "لو التفتنا إلى ما نعمل في الصلاة وماذا يعني أداء الصلاة، لن نقع أسرى هوى النفس، فالصلاة إظهار للعبودية والتسليم أمام الله سبحانه وتعالى، والصلاة إذعان لإرادة الله وتنازل عن إرادة النفس"(٥). وأشار الإمام السجّاد (عليه السلام) إلى حقّ الصلاة، فقال: "وحقّ الصلاة أن تعلم أنّها وفادة إلى الله تعالى، فإذا علمتَ ذلك قمتَ مقام الذليل الحقير الراغب، والراهب الراجي الخائف المسكين، المتضرّع لمَن كان بين يديه بالسكون والوقار، وتقبل عليها بقلبكَ، وتقيمها بحدودها وحقوقها، مع الإطراق وخشوع الأطراف، ولين الجناح وحسن المناجاة له في نفسه، والرغبة إليه في فكاك رقبتكَ التي أحاطت بها خطيئتكَ، واستهلكتها ذنوبكَ"(٦). كثير منّا يصلّي باستثقال ولأجل إسقاط الفرض، وليس لأجل التقرّب إلى الله الذي أسبغ نعمه علينا، مع أنّه ينبغي الانقطاع عن كلّ الدنيا في أثنائها، والتوجّه بكلّ وجودنا للخالق فقط بدون الالتفات إلى شيء، فعن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "وإذا صلّيتَ فصلِّ صلاة مودّع"(٧). وذكر الإمام الصادق (عليه السلام) في بعض شرائط الصلاة المقبولة ممّا جاء في حديث قدسي، قال الله (تبارك وتعالى): "إنّما أقبل الصلاة ممّن يتواضع لعظمتي، ويكفّ نفسه عن الشهوات من أجلي، ويقطع نهاره بذكري، ولا يتعظّم على خلقي، ويطعم الجائع، ويكسو العاري، ويرحم المصاب، ويأوي الغريب"(٨). فلنهتمّ بصلاتنا، فهي صلتنا التي تربطنا بالربّ، وتنير مسيرة حياتنا التكاملية. ..................................................... (1) مرآة الفلاح وتجلّي العبودية: ص١٣٨. (2) السير إلى الله: ص١١٠. (3) مَن لا يحضره الفقيه: ج١، ص٢١١. (4) جامع أحاديث الشيعة: ج٤، ص٧. (5) السير إلى الله: ص٣٤1. (6) رسالة الحقوق: ص291. (7) بحار الأنوار: ج٨١، ص٢٥٧. (8) ميزان الحكمة: ج2، ص1636.