التَّفاعُلُ الإيمانِيّ في مَشاهِدِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام)

الشيخ حبيب الكاظمي
عدد المشاهدات : 229

مضمون السؤال: بما أنّنا في شهر رجب الأصبّ وهو المحطّة العبادية الأولى التي تسبق شهر رمضان المبارك، فكيف يمكننا الجمع بين التفاعل العاطفي والتفاعل النظري في مشاهد أهل البيت (عليهم السلام)؟ مضمون الردّ: إنّ الذي ينكر تأثير هذه المشاهد في الربط العاطفي والنظري، فإنّه مجانب للحقيقة، فمثلما جعل الله تعالى البركات في الحجّ والعمرة لتقوية الجانب التوحيدي، وأمرنا بزيارة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ومسجده، للربط الرسالي بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فكذلك زيارة المشاهد لها دور كبير في ترسيخ الجانب الروحي في الإنسان، وبخاصّة إذا كانت الزيارة مقترنة بحالة من حالات الاعتكاف، ولكن من المناسب بين وقت وآخر أن ينوّع المؤمن في الزيارة، فمرّة يجعل له زيارة مع العائلة، وأخرى زيارة فردية. إنّ الذي يشدّ الرحال إلى الزيارة بنيّة الاعتكاف، كأنّه يقول: يا ربّ، أنا أريد أن أخلو معكَ في سفري هذا، لا أريد أن يشغلني عنكَ شاغل، لا أريد أحدًا غيركَ، لا أريد أنسًا إلّا أنس قربكَ. وكم هو جميل أن يوفّق الإنسان للخلوة الروحية في هذه الأماكن المقدّسة، وينقطع عن الخلق مع الحقّ: صلاة، ودعاء، وزيارة.... ثم إنّه من الفرص المناسبة، المكث في المشاهد - وبخاصّة عند قبر المعصوم، وعند الرأس الشريف، أو تحت قبّة ذلك الإمام المعصوم - لمراقبة مجمل مسير الحياة العام، يقول سيّد الوصيين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): "رحم الله امرأً عرف من أين وفي أين وإلى أين"(1)، فالإنسان في وطنه وهو على فراش النوم أو في مكتبه مثلًا، قد لا يوفّق لتقييم مساره العام خلال المراقبة اليومية: هو إلى أين وصل؟ ما وزنه في العبودية؟ شبابه فيمَ أنفقه؟ عمره فيمَ أبلاه؟ ما مستوى الرقي الباطني والفكري عنده؟ ولكن عندما يكون في المشاهد المقدّسة، فإنّ هذه فرصة ذهبية للتقييم العام؛ لأنّ الصفاء الموجود متميّز. إضافة إلى أنّه يمكنكِ وأنتِ في حضرة المعصوم طلب المدد، فهؤلاء أحياء يرزقون، وهم أئمة الشهداء، فما المانع من أن تقولي: يا رسول الله، سل الله تعالى أن يلهمني مَن أنا، وإلى أين وصلتُ، وما هي عيوبي؟ فقد ورد عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "إذا أراد الله بعبد خيرًا، زهّده في الدنيا، وفقّهه في الدين، وبصّره عيوبها"(2). فما المانع أن تقولي: يا ربّ، بصّرني بعيوبي؟ والربّ لو أراد ذلك فله طرقه في أن يبصّركِ. فعلى الزائر للأماكن المقدّسة أن يأخذ دورة فكرية حول ذلك المعصوم بقراءة سيرته ومواقفه، ولكن كيف يمكن للمؤمن أن يزور الإمام الرضا (عليه السلام) وهو لا يعلم شيئًا عن سيرته؟! ولا يعلم كلماته الحكمية، وأخلاقه، وتعامله مع مَن حوله! ولماذا ذهب إلى أرض خراسان؟ ما الذي أخذه إليها؟ وكم من الجميل في ساعات الاستراحة في الحرم، إذا كان الإنسان في حالة من حالات الإدبار، بحيث لا يقرأ القرآن ولا يصلّي أن يقرأ سيرة الإمام وهو بجانبه، فإضافة إلى الجانب التفاعلي، فأنتِ عندما تقرئين سيرة المعصوم وأنتِ بجواره وملاصقة له، وفي حضرته، ثم تزورينه؛ فإنّ هذه الزيارة ستكون فيها مسحة تفاعلية زيادة عمّا لو زرتِه وأنتِ في جهل بدقائق سيرته. .............................................. (1) موسوعة العقائد الإسلامية: ج٢، ص٣٠٣. (2) الكافي: ج٢، ص١٣٠.