(خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ)

منى إبراهيم الشيخ/ البحرين
عدد المشاهدات : 196

مجموعة من الآيات والروايات تحدّثت عن صفة العجلة في الإنسان، وفي الأغلب وردت العجلة بعدّها صفة مذمومة، ولكن هناك حالات مستثناة تكون العجلة فيها صفة جيدة ومطلوبة، وهناك روايات جاء في سياقها ذكر الآثار الوخيمة لهذه الصفة، والحديث في هذا الموضوع يأتي في ضمن سلسلة من الحوارات. فآمنة فتاة عجولة سريعة في اتخاذ القرار، بمجرّد ما تطرق ذهنها فكرة، لا تهدأ إلّا إذا حوّلتها إلى فعل، فكلّ حياتها أصبحت على هذا المنوال، وقد وقعت في الكثير من المشاكل والأزمات نتيجة العجلة، حتّى أصبحت محطّ انتقاد من بعض زميلاتها، وقد ضاق صدرها وأضحت مهمومة مغمومة، شاهدت العمّة بشرى ذلك، فاستفسرت عن سبب همّها فشرحت لها: بشرى: ما رأيكِ بأن نتناقش في الموضوع من ناحية قرآنية وروائية لكي تتبيّني الموضوع؟ آمنة: أجل يا عمّة، أرغب في ذلك. بشرى: العجلة صفة تبعث الإنسان على الإقدام على الشيء من دون توقّف، فبمجرد خطور الفكرة في الذهن يحوّلها إلى فعل، وهي من لوازم ضعف النفس وصغرها. وتقابلها صفة الأناة، وهي صفة تجعل الإنسان محتاطًا في الأمور، ناظرًا فيها، متأنيًا في تبعاتها والعمل بها. آمنة: نعم، أعترف بأنّي عجولة. بشرى: الآية تقول: (خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ) (الأنبياء: 37)، والتعبير بـ(عَجَلٍ) هو نوع من التأكيد، أي إنّ الإنسان عجول إلى درجة كأنّه خُلِق من العجلة، وتشكّلت أنسجته ووجوده منها! آمنة: نعم، وهذه الحقيقة القرآنية نشاهدها عيانًا في واقع الأفراد والمجتمعات. بشرى: هم عجولون في الخير والشرّ، والآية تشير إلى أنّ بعض الناس حتّى حين يُقال لهم إنّكم إذا عصيتم الرسول فسينزل عليكم العذاب الإلهي، يقولون لماذا لا يأتي وينزل بسرعة؟! والآية تقول لهم: (سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) (الأنبياء: 38)، فالآية تقول لهم لا تعجلوا، فلن يمضي وقت طويل حتّى يأتيكم ما تنتظرون، وترون ما حذّركم منه نبيّكم. وقوله تعالى: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الأنبياء: 38)، فهؤلاء كانوا ينتظرون على عجل متى تكون القيامة، متغافلين عن أنّ قيامها يعني تعاستهم وشقاءهم، ولكن الإنسان العجول هكذا هو، لا يفكّر قبل أن يطلب، ولذا هم يتّهمون الرسول (صلّى الله عليه وآله) والمؤمنين بعدم الصدق: (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)، فهم يعدّون عدم حصول القيامة دليل على الكذب. آمنة: الآية في بدايتها تقول إنّ الإنسان عجول بطبيعته، وفي نهايتها تنهى عن العجلة، فكيف نوفّق بين ذلك؟ بشرى: أنا أسألكِ: هل صفة العجلة داخلة في دائرة اختيار الإنسان أو خارجة عن إرادته؟ وهل الآية إذا قالت إنّه خُلِق من عجل معنى ذلك أنّه مجبر على هذه الصفة؟ آمنة: بالطبع لا. بشرى: صفات الإنسان وخصائصه الأخلاقية قابلة للتغيّر، فيمكن عن طريق التربية وتزكية النفس التحكّم بها، من ثمّ لا يوجد تضادّ بين أول الآية وآخرها، والله (سبحانه وتعالى) منزّه عن أن يجبر عباده على صفة ثم يعذّبهم بها؛ لأنّه ظلم والله هو العدل الذي لا يجور، فمثلما أنّ الله خلق الإنسان بغرائز، وأعطاه القدرة والحرية والإرادة في التحكّم بها وتوجيهها نحو الخير والصلاح، فكذلك هي صفة العجلة(1). يتبع... ....................................... (1) راجع تفسير الأمثل: ج10، ص167- 169.