هَل أنتِ مُصابَةٌ بالأَنا الزَّائِفَةِ؟
تعدّدت تعريفات (الأنا) عند العلماء، فعُرّفت في نظرية التحليل النفسي بأنّها الجزء المعتدّ به من شخصية الإنسان، وتكون على اتصال مباشر بالعالم الخارجي عن طريق الإدراك، ويُقال إنّ الأناة هي الجزء الذي يتذكّر ويقيّم ويخطّط، وتعمل بطرق مختلفة، حيث إنّها تستجيب وتتصرّف في العالم المادي والعالم الاجتماعي الذي يحيط بها. وعليه نجد امتلاك الأنا لا يكون أمرًا سلبيًا، فعادةً ما تكون الأنا نتيجة ثانوية للنجاحات السابقة، ويمكن أن تقوم الأنا بتزويد الإنسان بالثقة بالنفس واحترام الذات، إضافةً إلى القدرة على مواجهة المخاطر، أمّا عندما تغدو الأنا لا رادع لها، وتكون في اتجاه سلبي، فهنا تتغلّب على تواضع الفرد وتمنع استعداده للتعلّم والتحدّي والثقة بالآخرين، وتصبح مشكلة؛ لأنّها في هذه الحالة تعمل على فقدان الاتصال بما هو أكثر أهمّية، مثل العلاقة مع الناس.(1) فمن أسباب تراجع الإنسان هو الأنا المزيّفة، إذ تجعله متقوقعًا لا يتقبّل النقد، ولا يشاطر أحدًا أفكاره، ولا يتقبّل المشاركة أو تطوير نفسه، وتجده متعصّبًا لرأيه ومتزمّتًا، وفي هذا الحال يكون الفشل حليفه. وإذا تأمّل الإنسان وجد الأنا من ألدّ أعدائه، والشخص الواعي بذاته هو مَن يفرّق بين الذات الوهمية والذات الحقيقية المغمورة في الأعماق، لذا على الإنسان أن يدرك أنّ قيمته ليست بممتلكاته، ولا بأولاده ولا بشهادته ولا بمظهره ولا بتاريخه العائلي. والمدرك للواقع يعرف أنّ كلّ أمراض الإنسان إنّما مصدرها الأنا الوهمية؛ لكون العقل غافلًا عن غاية خلق الله تعالى للإنسان، وبذلك تجد الأغلب تناسوا القصص والمواعظ في القرآن الكريم مثل قصّة صاحب البستان: (...كانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا) (الكهف:34)، ونتيجة لانغماسه في الأنا حلّ ما حلّ ببستانه. وهناك رأي يقول إنّ الأنا لها جانب إيجابي أيضًا إذا كانت معتدلة، وللتعرّف أكثر على الآراء أجرت مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام) استطلاعًا للرأي يخصّ هذا الموضوع: لماذا تتضخّم الأنا عند البعض؟ م. د. إيناس جاسم الدروغي/ جامعة الكفيل: الطابع العامّ عن الأنا ومصطلحها اقترن بالشخصية المتعصّبة والمعتدّة بنفسها بشكل مفرط، فعندما تُذكر الأنا، فالمتبادر إلى الذهن هو الشخص المتعصّب والمتكبّر و...، وقد ينصرف الذهن أيضًا إلى المجازفة أحيانًا لتصوّر جنون العظمة، وتكون الحالة حينئذٍ في ذروتها، لذلك أصبح مصطلح (الأنا) لصيقًا بهذا الوصف أو الصورة المتبادرة إلى الذهن من جرّاء شيوع الاستعمال، ولكن لا بدّ لنا من أن نرجع إلى بعض الأسس العلمية؛ لنحاول إزالة الغموض عن المصطلح، ومثلما يُتصوّر الجانب السلبي فلا بدّ من تسليط الضوء على الجانب الإيجابي أيضًا. إنّ صناعة الأنا علميًا تعتمد على مدى تأثّرها بصناعة كلّ من (الأنا العليا: super ego) من جهة، والـ(هو: id) من جهة أخرى، فيجب أن تكون هناك علاقة توازن بين المُثل والرغبات؛ ليتحقّق توازن الأنا. وللتربية ونشأة الإنسان الأثر الكبير في صناعة البُنى النفسية الثلاث، فإن حصل اختلال فيها فسيؤثر في إعدادات الأنا، فاذا ما كُرِّست التربية في تلبية حاجات الطفل في كلّ حين، واستُخدم مبدأ الثواب بإفراط وبحجم لا يتناسب مع العمل المُناط بالطفل، فستتكوّن الذات الوهمية حينئذٍ، ويصبح الإنسان يريد من المجتمع أن يلبّي رغباته، بل يتوقّع الإثابة على أيّ عمل حتى لو كان من واجباته، وكأنّ المجتمع خُلِق من أجل خدمته، فالتربية والمجتمع لهما أثر في تكوين الأنا بشقّيها الإيجابي والسلبي على حدّ سواء، فمن هنا على المربّين أن يلتفتوا إلى ذلك، وأن يوازنوا في معاملة أبنائهم، فلا إفراط ولا تفريط. الآثار السلبية للأنا في الإنسان السيّدة ولاء عطشان الموسويّ/ ناشطة اجتماعية: الحياة الدنيا حياة زائلة فانية، وما هي إلّا محطّة لحياة دائمة، وقد أرشدنا الله (سبحانه وتعالى) لما يجعلها حياة متكاملة طيبة؛ ليعيش بها الأفراد عيشة هنيئة، وقد ضمِنَ (سبحانه وتعالى) حقّ كلّ فرد في هذه الحياة، إذ جعل رسله وأوصياءه يدعون إلى التضامن والتكافل، وأكّد في آياته على التآزر والتعاون الذي يهدف بدوره إلى الإيثار وترك الأنا: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ) (الحشر: 9)، تلك الأنا التي تقتل الإنسان بدون أن يشعر، فالحياة الحقيقية ليست بما يملكه الفرد أو لمجرّد كونه يتنفّس، فقد جعل الخالق حقوقًا بين الأفراد، وأوصى الإسلام بالتعايش والتكافل، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "أحبَّ لأخيكَ ما تحبُّ لنفسكَ"(1). إن فهمنا غاية الحياة وغاية وجودنا، وكان هدفنا الأسمى هو رضا الله (سبحانه وتعالى) والقبول عنده، فإنّنا لن نخضع للأنا التي تجرّ إلى الكثير من المشاكل وتبعدنا عن النهج القويم. فالأنا تخلق الكره، الحقد، النزاع، التعالي، التعدّي، حتى إنّها قد تؤدّي إلى القتل ليُظهر المرء أناه، أو ليشعر بالانتصار لها، وكلّ ذلك يُبعد عن طريق الحقّ، فتكون الحياة مأساوية. لو استمعنا لحديث الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وأهل بيته الكرام (صلوات الله وسلامه عليهم)، لوجدنا أنّهم يوصون بأن يحبّ الإنسان لغيره ما يحبّ لنفسه، يعني كلّ شيء يحبّه أن يكون له يحبّ أيضًا أن يكون لغيره، وبذلك تُكسر الأنا، وعندما ينتبه الفرد إلى ذلك، فإنّه سيحاول أن يقضي على أناه ولا يخضع لها، فيترك الكثير من الأمور التي تبعده عن جادّة الصواب. كيفية التخلّص من الأنا الوهمية السيّدة عذراء عبّاس الشاميّ/ مرشدة نفسية: لقد خلق الله تعالى الإنسان اجتماعيًا بطبعه، ولا يمكن له العيش بمفرده، ولابدّ لمبدأ التكافل والتعاون من أن يتحقّق في الحياة حتى تسير بنحو صحيح، ولقد أكّد على هذا المبدأ القرآن الكريم في كثير من آياته المباركة، وكذلك أحاديث النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وروايات أهل بيته (عليهم السلام)، ولأنّه لا يوجد إنسان كامل أو مثالي فلكلّ شخص نقاط ضعف ونقاط قوة، وجب أن يبحث الإنسان دومًا عن نقاط الضعف لديه حتى يقوّيها ويغيّر ما يلزم تغييره نحو الأفضل؛ ليحقّق التوازن والاستقرار النفسي في حياته، أمّا الشخص الذي لا يرى عيوبه ولا يريد أن يتغيّر، ويرى مصلحته في المقدّمة دومًا حتى لو كان ذلك على حساب الآخرين، ويلبّي رغباته مهما تطلّب الأمر، فهو بذلك وصل إلى تفخيم الأنا لديه، ويظلّ يعاني من عدم الاستقرار النفسي والمشاكل الاجتماعية ما دام على أنانيته تلك، ويا للأسف الشديد نرى انتشار هذه الظاهرة في الوقت الحاضر بشكل كبير بعد الحرب الناعمة، حتى كادت أن تُهدم أسرنا بسبب وسائل التكنولوجيا الحديثة التي جاءت في كثير من محتواها لطمس الهوية المسلمة، فنرى وسائل التواصل جاءت لتحثّ على تعزيز الأنا والمصلحة الشخصية عند الإنسان. وأحد أسباب تعزيز الأنا عند الشخص أسلوب التربية الخاطئ، أي الدلال الزائد، فعندما يربّي الأهل أبناءهم على تلبية كلّ طلباتهم بلا استثناء، سواء المنطقية وغير المنطقية، ولا يسمع الطفل كلمة (لا) لطلباته أبدًا فسينشأ أنانيًا لا يفكّر إلّا بنفسه ولا يتحمّل المسؤولية، وعلينا جميعًا تقع المسؤولية الاجتماعية لمعالجة هذه الظاهرة السلبية، كلّ بحسب موقعه. ختامًا، كوني واعية بخطورة هذا العدوّ، وعليكِ الانتباه إلى كونكِ مصابة بـ(الأنا) أم لا، حتى تقبلي العلاج، فإياكِ وشغل تفكيركِ بنفسكَ وبنظرة الناس لكِ لا إلى عملكِ؛ لأنّ العمل حينئذٍ سيتحوّل إلى توقّع نيل المدح والثناء، وتغذية أناكِ لا أكثر، فالأهمّ هو تحويل تفكيركِ نحو تذليل العقبات والعمل لأجل تحقيق أهداف مرجوّة وتقديم الأفضل للمجتمع، اهتمّي بإنجازكِ بدون البحث عن المجد الشخصي، ومن الله التوفيق والرفعة. .......................................... (1) بحث للدكتور مارك ليري. (2) الأمالي للطوسي: ج2، ص83.