رياض الزهراء العدد 178 أقلام يافعة
ذَاتُ الشَّعرِ الأَشقَرِ
كان هناك امرأة تسكن في حيّ من الأحياء مع زوجها وأخته، وكان لديها طفلان، وتنتظر الثالث. وذات يوم شعرت بألم في بطنها، فتوجّهوا مسرعين نحو المستشفى، أدخلوها ردهة العمليات فأنجبت بنتًا، وإذا بالممرضة تنادي: دكتور، دكتور، الطفل مصاب بـ(متلازمة داون)، فأخبروا والدها بذلك وقالوا: قد رُزِقت ببنت، حملها وقبّلها وعيناهُ تفيضان بالدموع، وأخذ يؤذّن في أذنها اليمنى ويقيم في اليسرى، ونهضت زوجته وأخذت وليدتها في الأحضان، وعادوا إلى البيت فرحين ولكن قلبهم مكسور لمستقبل ابنتهم (جميلة) ذات العينين الجميلتين والشعر الأشقر، ووجه كالبدر بل أحلى، ذات حسّ فكاهي تجعل أصحاب المنزل مسرورين . مرّت الأيام بهدوئها ولطفها، وأصبح إخوتها في المدرسة، أمّا هي فتنظر إليهم بنظرة تكسر القلب، فهم يذهبون وهي تبقى مع أمّها فتشغل وقتها بالتلفاز، أو تساعد أمّها في بعض أعمال المنزل. أصبحت (جميلة) عزيزة أبيها وأمّها والجميع، وبما أنّه لا توجد قريبًا منهم مدرسة خاصّة لأمثالها، قرّرت أختها الكبيرة أن تعلّمها بعض الحروف الأبجدية، وبعضًا من الأناشيد فتعلّقت بأختها وأصبحت مثل أمّها، وكانت معها طوال الوقت، في السرّاء والضرّاء، تساعدها في تغيير ملابسها، وتصفيف شعرها، وفي نظافتها الشخصية، وتلعب معها كرة القدم في وقت فراغها؛ لتجعلها سعيدة وتبثّ فيها الطاقة الإيجابية والحبّ، وكلّ أمر جميل في الحياة. وبعد سنوات تزوّج إخوتها، وكلّ واحد منهم انشغل بحياته، لكنّهم لم ينسوها، وظلّوا على تواصل معها، ويزورونها في المنزل، وتخرج معهم في النزهات. اقتربت ذكرى ميلادها، فقرّرت الأمّ أن تعمل مفاجأة لابنتها ذات الشعر الأشقر التي أكملت عامها الـ(٢٢)، فذهبت إلى السوق لتشتري فستانًا أبيض لابنتها، وقرّرت العائلة كلّها أن تزّف (جميلة) ليتزامن عيد ميلادها مع يوم عرسها، فنادرًا ما يتزوّج هؤلاء المرضى. ارتدت ذات الشعر الأشقر الفستان الأبيض والسعادة تحيطها من جميع الجوانب، وأصبحت أميرة أبيها وأمّها. هكذا هي الأسرة المؤمنة التي تقبل بما قسم الله لها، وتحمده على نعمه الكبيرة والصغيرة.