رياض الزهراء العدد 178 لحياة أفضل
رِفقًا بالقَواريرِ
كلّ امرأة تحمل في كينونتها عالمًا مُنفردًا بذاته، بعضهنّ يمنحنَ شعور الأوطان، أوطان قد تكون وُلدتَ فيها، أو أخرى احتضنت طفولتكَ، صباكَ، ونضوجكَ. في أرواحهنّ ملاجئ مُترعة بالأمن، لا يمكنكَ تخيّل ما قد تخسره وأنتَ تُكمل حياتكَ من دونها، أو تكون سببًا في إيلام قلبها وتجمّع الدمع في عينيها، إنّها تستطيع أن تُربّت على قلبكَ تربيتة واحدة تُغربل بها سوداوية أيامكَ، توقد فيكَ شعاعًا من النور فتُنير كلّ ما انطفأ فيكَ. لا تودّ أن ترفع رأسكَ عن كوكبها؛ كيلا تواجه ضياعكَ في أرضكَ من جديد، أو تترك ملجأها الرحيم لتُصفع ببرودة العالم الخارجي، تتزاحم في رئتيكَ الروائح التي تصنعها في عالمكَ، روائح الحياة، العودة إلى الذات، الحنين اللامتناهي والعطف المنساب من وجودها. في كلّ ما تُقدّمه تمنحكَ فرصة التجدّد، التحليق، والتطهّر، تُذيب فيكَ الجليد الذي يُثقل كاهلكَ، لا يُستبدل عطاؤها بشيء، لا تُعوّضكَ وجبة في أفخر المطاعم عن تلك الوجبات التي تطهوها لكَ بأمومةٍ بالغة، لن تشعر بالاستعداد لمُواجهة العالم من دون أن تُرافقكَ بدعواتٍ آمنة وأنتَ تغادر المنزل لتواجه مصاعب الحياة، مُغرّدة بأحنّ كلام يشفي مسامعكَ. خُلِقت المرأة كي تمنح الكون القابلية على الاستمرار والاحتمال، التقدّم والمُضيّ، كي تكون ملاذًا في الدنيا، مهربًا، ومركزًا للتزوّد بالحياة. إنّكَ تجهل ما الذي تفقده حين تكسر قارورة قلبها بالغة الشفافية، تلك التي أوصى النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) بها ترفّقًا ورحمةً، تجهل كم أنّ الأيام معها تختلف، والنهايات معها لا تنتهي، وكم سيهوي كُلّكَ حين ترحل عنكَ وتترككَ في غُربتكَ وحيدًا تائهًا، لا تجد مَن يهمس لكَ بأنّه سيبقى معكَ، كم ستغدو وحيدًا مُعدمًا حين يتجمّعُ الكلام في حلقكَ ولا تجدها كي تتخلّص من مرارته اللاذعة، أو حين ترتجف روحكَ بردًا ولن تكون هناك لتُدثّركَ، وتعود إلى منزلكَ أجوفَ موحشًا، لا تفوحُ منه رائحة الأرز والحساء، والعطف المطهوّ على مهل. هي قداسة الأرض ونقاوة العيش، ورقتكَ البيضاء التي ستعرضها على خالقها، أذاها يُضاعف كَدَركَ، وإهانتها تُبشّعكَ عند الله. زوجةً، أمًّا، أختًا أو ابنةً، أيًّا كانت مكانتها في حياتكَ، فقد حظيت برأفة الرحيم مُجسّدة فيها.