المَنبَتُ الحَسَنُ

هدى نوريّ السرّاي/ ذي قار
عدد المشاهدات : 136

طرقَ البابَ.. - أبي هل تأذن لي لأدخل؟ - يا روح والدكَ، تعال إليَّ.. وفتح ذراعيه؛ ليحتضنه بلهفة يُتْم.. أقبل يركض وعلى ثغره ابتسامة.. فاقدًا للحنان.. وبين الأب والابن كان حديث العناق طويلًا؛ لينتهي بـوردة قد أخفاها الطفل حيدرة وراء ظهره.. فقال الأب لابنه وهو يبتسم بوجهه: بنيّ هل تودّ أن تعطيني شيئًا ما؟ أعلم أنّكَ تخفي شيئًا.. - نعم يا أبي، أخفي هذه، وأخرج الزهرة من بين يده الناعمة، وقال: قطفتُ زهرتين من الحديقة، هذه لكَ يا أبي، والأخرى لقبر أمّي. حيدرة الطفل اليتيم المدلّل عند الكلّ: عند زوجة أبيه، عند إخوته، وعند والده كذلك. أمّا زوجة الأب فتخشى عليه كثيرًا؛ لأنّه أمانة أمّه عندها؛ لذلك تحرص على مراعاته، تحبّه، تهتمّ به وكأنَّه طفلها، على الرغم من كونه ابن شريكتها، ونادرًا ما يحصل هذا من قِبل زوجات الأب. لكن بيت حيدرة مختلف؛ فالأب والأمّ يمتلكان الأسس الصحيحة في الفهم، والوعي، والتديّن، وهذه الأسس طبّقاها هما الاثنان داخل البيت وخارجه؛ فخرجا بهذه الثمرة التي قرأتم تفاصيلها. إذن من هنا تبدأ أولى خطوات التربية الصحيحة لدى الفرد الذي سيكون يومًا ما قدوة لغيره، وسيطبّق كلّ ما استلهمه، واكتسبه، وتعلَّمه من بيت والده، وكيف نشأ نشأة صحيحة. الأب الصالح والأمّ الصالحة هما غذاء الطفل الذي سيشتدّ عوده به، ويكبر معه، وهنا نستذكر السيّدة الجليلة العظيمة أمّ البنين (عليها السلام) كيف عاشت في بيت القداسة والطهر، وكيف أنجبت وربَّت؛ لتخرج بشخصية فذّة فريدة استثنائية لا مثيل لها كشخصية العبّاس بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، وهذه المرأة النبيلة الصالحة، ذات الفضل، والعفّة، والصيانة، والورع، والديانة، كريمة قومها، وعقيلة أسرتها، فهي تنتمي لأعلى القبائل العربية شرفًا، وأجمعهم للمآثر الكريمة التي تفتخر بها سادات العرب. فقول أمير المؤمنين (عليه السلام) لأخيه عقيل: (اختر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها لتلد لي غلامًا فارسًا)، فمن قوله: (قد ولدتها الفحولة..) تكون النتيجة: (لتلد لي غلامًا فارسًا). نستلهم من هذا المأثور عن المعصوم (عليه السلام) قاعدة اجتماعية غاية في الأهمّية، مفادّها أنّ الأسرة ليست تلك الدائرة الصغيرة المتمثّلة بالأب والأمّ والأولاد فحسب، وإنّما هي التزام كبير يؤسَّس له بتأصيل قيمة الزيجة الطيبة، ومن قبلها الاختيار الأمثل للزوج والزوجة؛ لتتمّ بعدها غاية الشريعة السمحة ببناء قوي صالح تُرسى عليه قواعد المجتمع المؤمن، وتتوثّق به عُرى الدين بوشائج الخُلق الكريم والطباع الأصيلة، وهذه هي رسالة الإنسانية التي جاء بها الأنبياء (عليهم السلام)، ومن بعدهم أوصياؤهم (عليهم السلام)، وتلك منارات حكمهم ونفحات سننهم، وباتّباعهم نسلك طريق الصواب، وننال حسن الثواب وننجو من العقاب .