رياض الزهراء العدد 178 منكم وإليكم
وأَشرَقَتِ الأَرضُ بِنُورِ البَاقِرِ (عليه السلام)
من تلك السلالة الطاهرة والقمم الشامخة التي ارتقت سلّم الكمال، ومن تلك النفوس المنصهرة في قيم الرسالة السماوية الذائبة في حبّ المعبود، انبثق ذلك الألق الأخّاذ والنور الوهّاج، قبس ينير الخافقين بمبادئ الرسالة الإسلامية؛ ليدلّ السالكين على معارج الوصول إلى ساحة القرب الأقدس، ترعرع في ظلّ بيت الوحي والتنزيل فاجتمعت فيه خصال آبائه الطاهرين، وتميّز بفضائله النفسية والأخلاقية السامية، فكان أهلًا لقيادة الأمة وإمامتها، ومدرسة للأجيال، بهر العقول بعلمه وعدالته، ذاك الإمام الهمام الذي استوعب كلّ مناهل العلم وبقره بقرًا، الوجود الملائكي الذي حيّر النفوس بصبره السابغ على مرارات الدهر الغادر ونوائب الأيام، فتحمّل من المصائب والمحن ما تعجز الجبال عن حمله، وخلب الألباب بحلمه الوارف عن المساءات المشحونة بالغيظ المأزوم، وفي غلس الليل البهيم كانت له خلوات مع معبوده الأوحد فيناجيه بكلمات العاشق الواله: (هذا عبدكَ بين يديكَ)، كيف لا وهو غصن من أغصان تلك الشجرة الطيّبة التي ضربها الله تعالى مثلًا للمتوسّمين، وكوكب درّي أضاء بشمس الإمامة، فشعّت أنواره في العالمين فروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "كان أبي كثير الذكر، لقد كنت أمشي معه وإنّه ليذكر الله، وآكل معه الطعام وإنّه ليذكر الله، ولقد كان يحدّث القوم وما يشغله عن ذكر الله، وكنت أرى لسانه لازقاً بحنكه يقول: لا إله إلّا الله. وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتّى تطلع الشمس، ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منّا، ومن كان لا يقرأ أمره بالذكر"(۱). ........................... الكافي: ج 2، ص499.