الهَاشِمِيَّةُ دُستُورُنا

فهيمة رضا حسين/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 292

"...أنّ القتل لنا عادة، وكرامتنا من الله الشهادة"(1)، هكذا بيّن مولانا زين العابدين (عليه السلام) أنّ ثمن الدفاع عن الحقّ والوقوف مع الحقّ غالٍ جدًا، ولا يمكن لأحد أن يحصل عليه إلّا بالتضحية والفداء. الإسلام يحثّ الإنسان المسلم على حفظ كرامته والدفاع عن حقّه بطريقة سليمة بعيدًا عن الكلمات والألفاظ البذيئة إن استطاع، مثلما يقول الرسول (صلّى الله عليه وآله): "أفضل الجهاد كلمة حكم عند إمام جائر"(2). من الضروري أن يطالب الإنسان بحقّه ويفضح سياسة الطغاة والسلطات الظالمة دفاعًا عن نفسه ولطفًا بالآخرين؛ كي لا يقعوا فريسةً في أيدي الظالمين، فضح الظالم وإزعاجه ومضايقته يخيفه ويجبره على التراجع عن كيده خطوات إلى الوراء كي لا يتعدّى على حقوق الآخرين، ولا يقدم على مراتب جديدة من الظلم ولا يطلب المزيد. الأسوة الحسنة لنا في هذا سيّدتنا زينب بنت عليّ (عليهما السلام) وبنت سيّد الكونين، فمنذ اللحظة الأولى وهي تسعى لقول الحقّ وفضح الطغاة، وفي جميع المواقف قد صُكّت المسامع بخطبة عصماء، ومتانة في الأداء وفصاحة في الكلام من امرأة هي سيّدة في الحياء وسيّدة في المصائب بعد عاشوراء، فكان الحقّ والعلم والفضل ذائبًا في ذاتها الطاهرة، فهي وريثة سيّد المجاهدين. بكلّ تأكيد هذه الصرخات والصفعات تزلزل عروش الظالمين وتغضبهم، وتدفعهم إلى النيل من كلّ شخص يقف في طريقهم ويؤثر في جبروتهم، وبخاصّة إذا كانت امرأة! ولكن هذه زينب (عليها السلام)! من بيت الوحي، كانت مثل والدتها، جاءت لتغيّر موازين المجتمع، فقوّة مواقفها وكلماتها بيّنت أنّها ثابتة العزيمة حتى وإن حوربت وأُسرت وتحمّلت المصائب. قوة الكلمة في وجه الطغاة ترسخ في سطور الدهر، فالكلمات والأفعال تأثيرها أقوى بكثير من الأسلحة، لذا نشاهد أصحاب الأسلحة والظلم يموتون ويُمحى اسمهم من ذاكرة الدهر، أو يُذكرون مع ألف لعنة، وأصحاب الكلمة الطيبة والحقّ باقون ما بقي الدهر، وتخرج من أرضهم ألف سنبلة، في كلّ سنبلة مئة حبّة. الكلمة باستطاعتها أن تقضي على الشعوب وتدمّر حاضرهم ومستقبلهم، أو تنقذهم من الجهالة وتزهر أراضيهم وتزدهر المجتمعات، وباستطاعتها أن تزلزل عروش الضلالة، لهذا السبب قامت السلطة الجائرة بالضغط على مَن يقولون الحقّ، ولم تتركهم، بل كانت تضيّق عليهم بشتّى الطرق كي تتخلّص منهم، ومن كلّ شيء يُذكّر الناس بواقعة الطفّ وكلمة الحقّ، وكان لهذه السيّدة الجليلة الأثر البالغ في خروج الكثير عن بيعة يزيد، حتى كتب واليه إليه: (إن كان لكَ شغل بالمدينة، فأخرج زينبَ منها)(3). فهذه سياسة الأمويين وكلّ الظالمين على مرّ التاريخ، يقتلون معارضيهم ويتخلّصون منهم بطرق شتّى، وسياستهم في الحقد على آل النبيّ )صلّى الله عليه وآله( وأولاد عليّ )عليه السلام( تكشف عن مآربهم وأياديهم الملوّثة والملطّخة بدماء الأبرياء، لذا هناك بعض الآراء ذهبت إلى أنّ السيّدة زينب (عليها السلام) قد قُتلت بالسمّ الذي دُسّ إليها من قِبل الطاغية يزيد. ................................. (1) بحار الأنوار: ج45، ص118. (2) ميزان الحكمة: ج3، ص210. (3) زينب الكبرى (عليها السلام) من المهد إلى اللحد: ص524.