خُطواتٌ بَطِيئَةٌ لِوُصولٍ آمِنٍ


عدد المشاهدات : 171

لا نُخلق قادرين على المشي، يتدرّج الأمر في مراحل الطفولة المختلفة من القدرة على تمييز الأصوات والضوء والروائح، الشعور بالجوع أو العطش، البحث عن الدفء والاحتواء، فَهمُ ما يجري من حولنا، والاستجابة لحاجات الجسد، من الرغبة في الاستكشاف، الحبو، الوقوف بمساعدة التشبّث بالأشياء، التعثّر، المشي خطوات صغيرة متردّدة، التعثّر مجدّدًا، ثم ننطلق بالجري كأنّ الكون كلّه لنا، وعلى مدار السنوات التي نروحُ فيها ونجيء، مُختالين بقدرتنا الجسدية والعقلية، تعترضنا المطبّات، نهفو، ننكبّ على وجوهنا، نتعرّض للأذى، ثمّ نقوم لنُكمل الطريق. كلّ شيء يتمّ بشكل تدريجي، يتعافى المرء من الألم الروحي على مراحل، ويتماثل الجُرح للمعافاة بعد مروره بأطوار مختلفة كي يصل إلى مرحلة الشفاء التامّ، وهكذا ينطبق الأمر على كلّ مخلوق وكلّ شعور، وكلّ يوم من أيامنا في هذه الدنيا. التدرّج الصحّي هو السبيل الأكمل للحلّ، فأنتَ لا تُصبح محترفًا بعد الخطوة الأولى وبعد تجربة واحدة، لا يتطهّر قلبكَ من عوالق الدنيا بعد بكاءٍ واحد، ولا تُحفظ القصيدة إلّا بعد تقسيم أبياتها وتكرار ترديدها، وقد خلق الرحمن السماوات والأرض في ستّة أيام، وهو الذي يستطيع بقدرته أن يخلقها بلمح البصر، ويُتمّ إنشاءها بأمر واحد: كُنْ فيكون، وهو الذي بحكمته سلسل نموّ الجنين والنبات وسائر المخلوقات من العدم وحتى الكمال، ومن حكمة الله الذي لا حدود لحكمته وعلمه نستنتج دروسًا ننتفع بها في أيامنا هذه، وفي كلّ أحوالنا ومشاعرنا، وما تضعه أمامنا الأقدار وفق حكمة نجهلها، ويعلمها هو وحده. إنّ كلّ مَن قد وصلوا إلى مراحل مختلفة من التطوّر والاحترافية في مستويات الفنّ والعلم والهوايات كافة، لم يعبروا من مرحلة المبتدئين إلى مرحلة الاحتراف إلّا بعد المرور بمراحل مختلفة من التشذيب والصقل لهذه المواهب، فمحترف برنامج (فوتوشوب) حين بدأ كانت واجهة البرنامج تُشكّل فوضىً هائلة بالنسبة إليه، ومحترفو التصوير بدأ معظمهم من هاتف محمول بدائي لا مزايا مُساعدة فيه، لكنّهم واصلوا بإصرار رغبةً في أن يرى العالم عبر عدستهم ما لا يمكن وصفه بالكلمات، أو نقله بالحديث. لا تقفْ في المنتصف لأنّ أحدهم قال لكَ: "لن تنجح إلّا إذا أصبحتَ محترفًا"، نعم، ستُصبح كذلك ذات يوم، ستكون في المراتب الأولى، لكن بعد أن تمرّ بمخاضٍ يُنتجُ منكَ نسخةً جديدة، نسخة قد سعت واجتهدت وهذّبت نفسها لكي يُشار إليها بالبنان وتشقّ طريقها وسط الجموع، نعم ستصل إلى القمّة، لكن المهمّ أن تبدأ.