تَحَرُّرٌ ذَاتِيٌّ

مريم حسين العبودي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 389

الحرية، ما الحرية؟ ما المعنى الفعلي لهذه الكلمة؟ وكيف يمكن أن يُطبّق بشكل عقلائي لنتمكّن من القول بأنّنا عشناه فعلًا ومعنىً؟ جاء في المُعجم العربي في تفسير كلمة (حُرية): (العَمَلُ بالإِرَادَة)، أو (الخُلوص من الشوائب، أو الرقّ أو اللؤم)، وفي معنىً آخر هي: (التصرّف بملء الإرادة والاختيار). فأيّ معنىً ممّا سبق هو المُطبّق في حياتنا فعليًا؟ أيّ تفسير منهم هو الذي عشناه في أيامنا الماضية، ونعيشه في أيامنا الحالية، وسنعيشه في الآتية؟! لن أتعمّق في جوانب سياسية أو دولية أو كونية لأُبيّن أسباب غياب الحرية، لن أتكلّم على حقّ المواطنين في الأمن أو المسكن أو الدخل أو في أن يحظوا بحياة حُرّة وكريمة، هذا الكلام كنّا نقرؤه في كتبنا المدرسية، نحفظه، ثم نمتحن به، ولا نفهم معناه، فلو كنّا نعيشه فعلًا لما اضطُررنا إلى دراسته. لن أكيل التهم هنا ولن أتهم أحدًا وإنما سأدخلُ في عُمق حياتنا اليومية، حياتنا نحن عامّة الناس الذين نشكّل مُجتمعًا وأُمّة، سأتعمّق في كُلّ يوم وفي كلّ زاوية منها، فقط لنعرف أنّ الخلل منّا وفينا، التقييد يسكننا، نحن مَن نخنق أنفاسنا بأيدينا، نحن مَن نعقّد كلّ أمرٍ بسيط، نحن مَن ننظر إلى الحياة نظرةً ضيّقة لا سعة فيها، نُكبّل أرواحنا كلّما حاولت التحليق، نقصّ أجنحتها ونُردي أرواحنا عاجزة ضائعة لا تقوى على النهوض، ثمّ ندّعي أنّنا أُمّة بلا حرية، وأنّ حقوقنا في الحياة مسلوبة، ألسنا نحنُ سُرّاقها؟! عدم تقبّل سجية الآخرين هو مرض مُستفحل فينا، إذا ما رأينا أحدهم يرتدي ملابس سوداء، قلنا: آهٍ، يا لكآبته، كأنّه في مأتم! وحين نرى مَن يرتدي الأبيض، قلنا: يا للسخرية، هل يظنّ نفسه يؤدّي مناسك الحجّ؟! يا للتناقض، يسخر البعض من تفاصيل حياة الآخرين، لديهم القابلية على البدء بانتقاد الآخرين كأنّهم يُشاهدون التلفاز: سمعنا فلانًا يقول الكلام الفلاني الذي لا يُغتفر، والآخر أحرز كذا درجة في الامتحان، وغيره يعيش في المنطقة (س) ودخله الشهري (ص)، هذا بصرف النظر عن الذي يُقال في الغيب، ويتحمّل المتكلّم إثم أكله لحوم الآخرين نيئة، لكن ماذا عن أولئك الذين يسلبون منكَ حريتكَ وجهًا لوجه، لا يعجبهم فيكَ شيء، ينتقدون ملابسكَ، طريقة حياتكَ، ما تحبّ وما تكره، يقتتلون ليفهموا كيف تحبّ الأكلة هذه وتكره تلك، وحين تقول لهم هذا ذوقي وهذا تقبّلي، يقولون بأنّكَ لا تفهم شيئًا في الذوق. لا يستوعبون شيئًا يسمّى تقبّلًا نفسيًا، ذوقًا شخصيًا، شيئًا يرتاح له المرء، حاجة تكرهها النفس، آخر شيء يمكن أن تفهمه عقولهم هي قضية احترام الرأي والرأي الآخر، وأنّنا لم نُخلق على وتيرةٍ واحدة بذوق واحد وبعقلية مشتركة، وأنّ لكل شخص على هذا الكوكب شأنًا خاصًّا، وتفكيرًا مستقلًّا، مهما استغربت من كيفية تقبّل أحدهم لأمر أنتَ لا تطيقه فهذا هو نظام الكون، ولولا ذلك لما كانت هنالك حياة، ولعشنا جميعًا بلونٍ واحد، ولأكلنا جميعًا ذات الأطعمة ولدرسنا كلّنا نفس الاختصاص، ولمُتنا كُلّنا ميتة واحدة.