إِشَاراتُ الوِلَادَةِ المُضِيئَةِ

زبيدة طارق الكناني/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 160

ما السرّ في تلك الطلّة البهية في مدينة الحبيب؟ فقد تلألأت المنارتان بضياءٍ وكأنّ نور أشعّة الشمس قد انسكب عليهما، وهما تنتصبان شامختين فوق ضريح قداسة العسكريين (عليهما السلام). يفيض من تلك القبّة الطاهرة عبير الفجر المقدّس، فيملأ الكيان بعشق المعبود، يرتقي إلى عليّين، يستنشقه الملائكة المقرّبون. نستشعر ونحن بين دهاليز مدينة سامرّاء سرورها المتجسّد في طاعة أمرها الله تعالى بها. ونستشعر بهجة ليلها المشعّ بضياء محمّد وآله بنور يغشى الأبصار. تزيّنت، وتجمّلت بلمعان قمر بزغ مكتملًا ليلة الثالث عشر من شهر رجب المرجّب. غمر النجوم دفئًا وبهاءً. كيف لا؟ وهي اليوم تعيش في ظلّ دوحة أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام). فهي لن تكون سامرّاء المجد إن لم تذكر ذكرى ولادة أبي الحسن (عليه السلام). فديدنها ديدن كلّ العتبات المقدّسة؛ تشاطر بيت الله الحرام فرحة تلك اللحظات المباركة التي بزغت في أفق سامرّاء كشمس الصباح السعيد، وإذا بفاطمة بنت أسد (عليها السلام)، تلك السيّدة الطاهرة تخطو؛ لتطوف الكعبة المشرّفة بكمال قلب موقن بوجود ربّ الأرباب. ولسان لا يفتر عن الذكر والدعاء؛ ليسهّل عليها وضع جنينها الموعود. وهي تعلم يقينًا أنّ ما كتبه الله تعالى لها في عالم الغيب سرور ما بعده سرور. حيث شرّفها الله تعالى بأن تكون أمّ وصيّ آخر الأنبياء (عليهم السلام). فتهتزّ جدران الكعبة طاعةً لربّ البيت. وتستقبلها هي وجنينها المبارك بأحضان الحبّ والأمان. وتدخل فاطمة مطمئنّة البال، قد أسلمت أمرها للذي لا تتكلّ على أحد سواه. لتخرج من الكعبة بعد ثلاثة أيام وهي تحمل وليدها النورانيّ بنور إلهي. المسمّى عند ربّ العُلى (عليًّا)؛ ليشعّ ذلك الجمال بنور ينير ظلمات البيداء، ويصل إلى عنان السماء. الذي يخبو أمام ضيائه كلّ ضياء، سوى ذلك الضياء لحبيب الله محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فقد أشرقت أسارير الأمير برؤية ابن عمّه النبيّ ليكون عشقه عشقًا يوسفيًّا، فلا ينفتح ثغره إلّا لأنامل الرحمة مثل برعم الوردِ. ليُزقّ مناهل العلم والحكمة. ولا ينظر بعينيه إلّا لرؤية عيني الأمل ليستمدّ منهما نورًا فوق ما به من نور. سامرّاء.. يا مدينتي الحبيبة.. ليخفق كلّ ما فيكِ فرحًا، فقد وُلِد الحقّ بولادة أمير المؤمنين (عليه السلام)، ونزلت به أول نفحات الجنان على الأرض. ونلتِ شرف الانتماء إلى قدس هذا البيت، إذ جُعلت ثمرة من دوحة المرتضى فيكِ؛ لترتوي أرضكِ من معين قلبهم الذي يخفق بعشق إله السماء.