حُجّةُ اللهِ في كِتابِ اللهِ
كثيرةٌ هي الشبهات التي يثيرها الأعداء -لاسيّما النواصب- حول مذهبنا الشريف، وبخاصّة القضية المهدوية، ومن تلك الشبهات: لو كان المهديُّ حقَّا، فلِمَ لمْ يذكر الله (تعالى) اسمه الصريح في القرآن الكريم؟ وهي شبهة لا تنطلي على النبيه ولو كان ذا ثقافة دينية بسيطة، إلّا أنّها ربّما تنطلي على بعض الشباب والناشئة؛ لتأثّرهم بالعقل الجمعي من جهة، ولضحالة ثقافتهم الدينية - ويا للأسف - من جهة أخرى. ويمكن ردّ الشبهة بجوابين، نقضيّ وحلّيّ: فأمّا النقضيّ: فإن كان إثبات أمر ما لا يتمّ إلّا بذكر اسمه صريحًا في القرآن الكريم، فلِمَ لم يذكر الله (تعالى) أسماء الذين حكموا بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله)؟! وبذلك يُفتَح الباب أمام الكثير من الأسئلة. وأمّا الجواب الحلّي: أولًا: ليس الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) الوحيد الذي لم يذكر اسمه في القرآن الكريم، بل هذا سارٍ في جميع الأئمة (عليهم السلام)، بل في الكثير من الأحكام التفصيلية كأحكام الحجّ والصوم والصلاة، ولا يشكّل ذلك نقصًا في الشريعة؛ لبيانها تفصيلًا في السنّة النبوّية الشريفة. ثانيًا: تكفّل الله (تعالى) بحفظ القرآن الكريم من التحريف بأسباب غيبية وأخرى مادية، ولعلّ من الثانية عدم ذكر اسم الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف)؛ لأنّ ذكره يستدعي تحريف القرآن وتبديله، فأعداؤه (عجّل الله فرجه) كثيرون، وما إن يعلموا بذلك حتى لن يقرّ لهم قرار إلّا بحذفه أو تبديله. ثالثًا: إنّ الحاقد والمعاند لن يُجديَ ذكر اسم الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) في الآيات معه نفعًا؛ إذ يمكنه تأويلها بغيره، أو تفريغها من محتواها، وبذا لا يبقى لذكر اسمه (عجّل الله فرجه الشريف) أيّ فائدة تُرجى. رابعًا: ذكر الأسماء في القرآن الكريم ليس ملاكًا في التفضيل، وهو أمر موكول لحكمته (جلّ شأنه)؛ فقد ذُكِر اسم النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) أربع مرّات فقط، في حين ذُكِر اسم النبيّ موسى (عليه السلام) مئة وست وثلاثين مرّة، وكذلك ذُكِر فرعون وقارون وهامان، بل ذُكِرت أنواع من الحيوان كالحمار والكلب، في حين لم تُذكر أسماء كثير من الأنبياء (عليهم السلام). خامسًا: ورد ذكر الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه) في ضمن الكثير من الآيات الكريمة التي تضمّنت ذكر أهل البيت (عليهم السلام) وصفًا، مثلما ورد ذكره في تأويل الكثير من الآيات المباركة، منها: - قوله (تعالى): (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) (الانشقاق: 19)، فقد رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تعليل غيبته (عجّل الله فرجه) أنّه قال: "...لأنّ الله (عزّ وجلّ) أبى إلّا أن يُجري فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) في غيباتهم، وأنّه لا بدّ له يا سُدير من استيفاء مُدَد غيباتهم، قال الله (عزّ وجلّ): (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) أي على سُنَنِ مَن كان قبلكم"((1). - قوله (تعالى): (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ* فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ*عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) (المدثّر: 8-10)، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) فيها: "إنَّ منّا إمامًا مظفّرًا مستترًا، فإذا أراد الله عزّ ذكره إظهار أمره نكت في قلبه نُكتةً، فظهر فقام بأمر الله تعالى"(2). - قوله (تعالى): (لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (السجدة: 16)، عن أبى بصير، قال: "قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله عزّ وجلّ: (عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) وفي الآخرة، ما هو عذاب خزي الدنيا؟ فقال: وأيّ خزي أخزى - يا أبا بصير - من أن يكون الرجل في بيته وحجاله وعلى إخوانه وسط عياله إذ شقّ أهله الجيوب عليه وصرخوا، فيقول الناس: ما هذا؟ فيُقال: مُسِخ فلان الساعة. فقلتُ: قبل قيام القائم (عليه السلام) أو بعده؟ قال: لا، بل قبله"(3). ................................. (1) كمال الدين: ج2، ص480. ((2 أصول الكافي: ج1، ص343. (3) كتاب الغيبة: ص 277- 278.